لست في وارد الدفاع عن الحكومة ، وليست هذه هي مهمة الكاتب المستقل ، الذي يتحسس هموم الناس ونبضات قلوبهم ، ولكنني أشعر بمنتهى النزاهة والحياد أن هناك من يضع العصي في عجلة الحكومة ، في ظروف بالغة الصعوبة والدقة ، ناهيك عن الصعوبات والمطبات الطبيعية والأخطاء التي تعترض طريقها بشكل اعتيادي ، وهي من صنف المشكلات التي تواجه أي حكومة كائنا من كان فريقها الوزاري.
في وقت سابق تحدث الملك بشكل واضح عما كانت تفعله الصالونات ورواد النميمة السياسية ، من إعاقات وفتن ، وها نحن نشهد دورا جديدا وأكثر شدة لهذه الصالونات وغيرها من قوى ومتربصين ، وهدفهم ليس مصلحة الوطن ، بقدر ما يسعون إلى إظهار الرئيس ووزرائه بصورة العاجزعن تسيير الدفة بأمن وسلام ، فكلما هدأت جبهة فُتحت جبهة أخرى ، وعلى نحو فجائي ، ومن شأن هذا إشغال فريق الدوار الرابع بإدارة الأزمات بدلا من الإنشغال بحل المشكلات ، وفي النهاية يدفع المواطن والوطن ثمن هذا الشغب الذي اعتدناه مع كل حكومة جديدة ، إلا أنه هذه المرة أخذ منحى آخر أكثر شدة وتتابعا ، ولعل بعض الأخطاء الرسمية التي تُرتكب هنا وهناك وفرت مادة دسمة لهذا الشغب.
الحكومات تخطىء ، والوزراء يقعون في بعض الهنات ، شأنهم شأن أي وزراء سابقين ، ولكن الأخطاء تختلف وتتمايز ، ولا ضير من اعتذار من يخطىء أو من يُساء فهمه ، أو يخونه التعبير ، ولكن هناك مصلحة أكبر من الحكومة تتقدم أي مصلحة أخرى ، وهي مصلحة الوطن والمواطن ، الذي لا يدري بما يجري من صراع في "طبقات الجو العليا" بل إنه لا يهمه بما يجري من تصفيات ودسائس ، فهمه اليومي يطغى على كل هم.
أخطر ما يمكن أن يحدث أن تمتد هذه الصراعات والتصفيات إلى الشارع ، الذي قد يجري توجيهه على نحو خاطىء دون أن يدري ، استثمارا للظروف الصعبة التي تعيشها بعض القطاعات كالمعلمين مثلا ، الذين نشعر أن مطلبهم بإنشاء نقابة مطلب محق ، ولكن يتعين أن لا يتم استغلاله لتصفية حساب لصالح هذه الجهة أو تلك ، ولهدف باطني لغاية في نفس يعقوب.
ارحموا هذا البلد ، وارحموا أبناءه المبتلين بهموم وطنية كبرى تحتاج للحد الأدنى من صفاء النفوس ، والتوقف عن صناعة العراقيل والمطبات وافتعال المشكلات،
شغب "الكبار" الأبدي ضد الحكومة (أي حكومة) لا يصب في صالح الشعب ، بل هو شغب ضد الشعب في النهاية ، لأن من يدفع الثمن في النهاية هو هذا المواطن الغلبان
الدستور.