"التشكيل الرئاسي" في الجامعات .. مرة اخرى !!
الدكتور احمد القطامين
09-06-2007 03:00 AM
جرت قبل اسيوعين عملية تغيير محدودة شملت رؤساء ثلاث جامعات رسمية. وقد جاءت هذه العملية بعد حوالي عامين من الاقالة الجماعية لسبعة رؤساء وهي الاقالة التي بدت في حينها غير متناسقة مع الاطار العام المعتاد في مثل هذه الحالات. فقد تم التمهيد للحدث منذ فترة عبر وسائل الاعلام الى درجة انشغال الرأي العام الاردني بحيثياته، على غير المعتاد في السابق. كل ذلك ادى الى خلق صورة مشوشة عن الاسباب التي ادت الى هذا التغيير، واظهرت – على الاقل – لدى بعض اوساط الرأي العام كما لو ان رؤساء الجامعات ارتكبو جرما ما، مما استدعى معاقبتهم بهذه الصورة الجماعية. وهنا اود فقط ومن منطلق الحرص الواعي على المصلحة الوطنية العليا لبلدنا التأكيد على حقيقتين مهمتين:الاولى: ان التغيير يعتبر احد سنن الحياة المرغوبة من حيث المبدأ، ولكنه يتطلب في العادة ان يكون الشكل الذي يمارس فيه التغيير شفافا وبعيدا عن الاثارة وينطوي على اسباب حقيقية تمنحه الشرعية المطلوبة لمنع اي التباس مقصود او غير مقصود. نحن في الحقيقة عندما نشير الى موضوع الجامعات فاننا لا بد ان ندرك جيدا اننا نتعامل مع مؤسسات وطنية تقع في خانة المؤسسات الحرجة ذات الاثار الهائلة على كل المعطيات والمسلمات الوطنية.
الثانية: لو افترضنا ان الرؤوساء المقالين كانوا احد اسباب اشكالية التعليم العالي في وطننا – وهذا طبعا غير صحيح – فهل هولاء الرؤساء هم فقط السبب في هذه الاشكالية ؟ الجواب: لا. فالاشكالية ناتجة عن مجموعة من الاسباب ذات التأثير الاعمق على قدرة الجامعة على انجاز رسالتها التعليمية بكفاءة. فالجامعة التي صممت مثلا لاستقبال 10 الاف طالب زج بها ضعف هذا العدد من الطلبة وفي بعض الحالات اكثر من ذلك. والجامعة التي تتطلب فعالياتها موازنة تبلغ 30 مليون دينار اصبح الدعم المالي المقدم لها من المصادر المختلفة لا يزيد عن بضعة ملايين خاصة في ضوء حقيقة هامة ربما لا يعرفها الرأي العام وهي ان ما نسبته 60% من كلفة تعليم الطالب الجامعي تتكفله الجامعة، وهذا في افضل الجامعات الرسمية ضبطا للانفاق.
اذن لا بد من التأكيد على ان عملية اقالة رؤساء الجامعات واستبدالهم برؤساء جدد لا يمكن ان تخلق حلولا للمشاكل القائمة، والاجدى برأيي ان تسعى حكومتنا الى دراسة واقع التعليم العالي دراسة متأنية تعتمد المنهج العلمي الشامل الذي يقود الى تشخيص دقيق للمشاكل والى سعي دؤوب لوضع حلول عملية لها. وباعتقادي انه لا بد من دراسة هيكلية التعليم العالي والانظمة والتشريعات التي تحكم بنيته الاساسية، حتى لو تطلب ذلك وضع معايير صارمه لدخول الجامعات والتوقف عن تجاوز الطاقة الاستيعابية التصميمية لها، والذي يتم عادة على حساب جودة التعليم العالي ويؤدي مع مرور الزمن الى اضعاف المخرجات بصورة خطيرة.
كما انه من الضروري، ضمن هذا السياق، التحذير من تسييس منصب رئيس الجامعة او اخضاعه للواسطة او المحسوبية او للمعادلات والتجاذبات السياسية لما لذلك من انعكاسات غير محمودة على مجمل العملية التعليمية في المستقبل.
qatamin8@hotmail.com