اختبرت (لوس أنجلوس تايمز) إلى اي مدى تستطيع الصحيفة العريقة أن تتجاوز القيود التقليدية في الصحافة المكتوبة . الصحيفة الأمريكية المملوكة لعملاق الإعلام شركة تريبيون غطت صفحتها الأولى الجمعة الماضية بمادة إعلانية ترويجية لفيلم أليس في بلاد العجائب! ما أحدث صدمة مهنية كبيرةفي الشارع الإعلامي. يبقى أن مدير تحرير الصحيفة لم يعلق سوى بأنه "لم يكن قراري بالتأكيد"!.
هذا التراخي في التقيد بالأطر التي حافظت عليها الصحافة لعقود انسحب على صحف كثيرة كانت المحرك الأساسي للقوى في المجتمعات، مااضطرها أمام قوة الإعلام الجديد أن تفقد بعض حصتها في السوق واللجوء إلى إيجاد بدائل للمعايير الصحفية لم تكن قابلة للطرح أوالنقاش في الماضي. وهذا ما يضع الأوراق على الطاولة بين كبريات الصحف في العالم إلى أي مدى يمكن التخفف من الضوابط التي سارت عليها المهنة في سبيل مجاراة التطور الحاصل في الإعلام الجديد، إعلام الانترنت المحسوب بالثواني والدقائق وليس بالأيام.
شكلت صحف كثيرة موازين القوى في مجتمعاتها مثل (ألموند الفرنسية) التي علّقت مؤخرا ً أن الصحيفة يجب أن تتغير أو تفقد فرصتها الأخيرة، ومع أن من الصعب جدا ً فك الارتباط العاطفي مع الصحافة الورقية بسهولة، فالحقيقة واضحة ولا يمكن القول بغير ذلك.. الصحافة الالكترونية متسارعة ومتنافسة إلى الحد الذي تفاجأ به بالتطور اليومي المهول في أدائها ، وهي بالتأكيد لن تمنح وقتا ً كثيرا ً لنستوعب هيمنتها على الشارع الإعلامي ، خاصة حين يبدو عامل السرعة والاستئثار في نقل الخبر الأهم في حضورها وتقييمها الجماهيري .
الخبر الجيد أن غالب صحافة الانترنت يملك أمرها أبناء شرعيون للصحافة التقليدية، فهم خارجون إلى الإعلام الجديد من رحم المهنة الأصلية بتقاليدها وضوابطها وأخلاقياتها بمزيد من الحرية التي لا شك تفجر الإبداع الملتزم بالقواعد والأعراف الأصيلة للمهنة ولا تقوم على الآراء الشخصية والأمزجة المتقلبة والمتقولبة.
استوقفتني مقالة للكاتب سمير عطاالله في الشرق الأوسط اللندنية يعرب خلالها عن فزعه حيال مستقبل الصحافة، فهي باتت حرة جدا ً لكنها غير مهنية وغير ديمقراطية؟ . هل يمكن أن نؤيد ذلك إلا في أقلّه؟ ، فليست الفوضى هي من يجمع الناس في نهاية الأمر، وإن بدت الصورة كذلك لبعض الوقت وإن بدا الصراخ الاعلامي يجتذب المارّة بدافع الفضول، لكن أن يكون الحال مستقبلا ً قائما ً على الغوغاء فهذا بالتأكيد غير صحيح، البقاء لمن يحترم عقل الناس ويمنحهم فرصة الاطلاع على آفاق أوسع ترتقي بذائقتهم.
الصحافة الإلكترونية ليست حدثا ً عابرا ً وإن بدت للغير أكثر إزعاجا ً، يحصل أن تختلف معايير الأشياء فالعامل الحاسم في الأمس لم يعد اليوم هو ذاته العامل الحاسم.. عشقنا للصحافة التقليدية في رصانتها يضاهيه التطلع بشغف نحو التفجر الإعلامي الجديد الذي سيغير وجه العالم، إنه المستقبل الذي نبنى أسسه اليوم، انه الوعي الذي ستقوم عليه قناعات أجيال بأكملها. الصحافة الصفراء ليست وليدة الإعلام الجديد ومن الظلم أن ينسب إليها ، لقد وجدالفائض منها في الماضي لكن مكانها أمام الصحافة الجادّة لم يتعدّ أحاديث الزقاق في العتمة، ولم يعد إعلام "غوبلز" بعد هذا التطور المجتمعي ينطلي على أحد : (اكذب اكذب حتى يصدقك الناس)!.
البقاء للأفضل وهو ذاته ما ينطبق على ساحة الإعلام الالكتروني. الأبناء الشرعيون فقط يباهون بأنفسهم ويخرجون للنور.
الراي.