الحكومة التي تعاملت مع الموجة الأولى من جائحة كورونا، هي قطعا ليست الحكومة ذاتها التي تدير الموجة الثانية من الأزمة. ثمة فرق شاسع في أداء الفريق والوزراء منفردين. باستثناء وزير الإعلام أمجد العضايلة فقد معظمُ الوزراء المعنيين بملف كورونا تركيزَهم.
في الموجة الأولى كان لدينا إدارة أزمة ناضجة، أما في الموجة الثانية فنحن بصدد أزمة بلا إدارة تقريبا. تناقض في القرارات والتصريحات، وصراع شبه علني بين أجنحة وزارية تختلف فيما بينها على كل شيء تقريبا. وعندما يعاني القرار الحكومي من علة انعدام المنطق، يغدو من الصعب تسويقه شعبيا.
والسبب في اعتقادي أننا في الموجة الأولى من الأزمة كان لدينا إستراتيجية واضحة وتفصيلية، بينما في هذا الوقت لا نملك سوى عناوين فضفافضة لمرحلة أطلقنا عليها وصف التعايش أو التكيف دون أن نطور نموذجا متكاملا يتعامل مع حيثياتها وما يطرأ عليها من متغيرات.
وربما يكون من المناسب هنا أن نتذكر بأن إدارة الأزمة في بداياتها خضعت لأسلوب العمل التشاركي بين الحكومة والقوات المسلحة والأجهزة الأمنية، ومثلت خلية الأزمة في المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات عقلها المفكر والموجه.
في الأسبوع الماضي، فقط، شهدنا سيلا من التناقضات في التصريحات والإجراءات، وتمردا خفيا على التوجيهات. حاول رئيس الحكومة أكثر من مرة ضبط الخطاب وإعادة توجيه المسار، لكن التفلت وغياب الرؤية حكما العمل في الميدان، ويمكن هنا الإشارة إلى تصريحات وزير الأوقاف الأخيرة حول صلاة الجمعة.
على الجبهة الصحية كنا أمام إرباك لا مثيل له في الاجتهادات والقرارات، وتحولت وسائل الإعلام إلى ساحة لتصفية الحسابات بين أصحاب التوجهات المتباينة. أمر الدفاع رقم 16 كان عنوانا إضافيا لحالة من انعدام الوزن، وغياب التصور الكامل، وقرارات الحظر الشامل وتعطيل خدمات المطاعم نموذج للفشل في تحديد الأولويات الكفيلة باحتواء الفيروس المتفشي.
حتى التشخيص المتفق عليه للحالة الوبائية كان غائبا، فقد أخفق المسؤولون في تحديد ما نحن بصدده، هل هو تفشٍ مجتمعي أم بؤر نشطة لكورونا، وفي بعض الأحيان طالعتنا الحكومة بتوصيفات لم نسمع بها في تجارب دول سبقتنا إلى نفس الحالة.
لم نعد نميز بين محافظة ولواء، ورسبنا في امتحان الجمع عند إحصاء الحالات المسجلة يوميا. ولدينا العديد من الشهادات عن حالة من الفوضى تسود عمل فرق التقصي في الميدان جراء الإجهاد الكبير ونقص الكوادر وغياب المتابعة والتدقيق. كان همّ بعض الوزراء تضخيم الوقائع والدفع باتجاه تعميق الأزمة لتعطيل الاستحقاقات الدستورية لإطالة عمر الحكومة. لقد لمس عامة الناس ذلك وهو ما انعكس ولأول مرة على مصداقية رواية الحكومة حول عدد الحالات المسجلة يوميا، والتشكيك بصحة الأرقام، وقد جاءت حادثة الطفيلة لتزيد من هذه الشكوك.
ينبغي على المحلل الموضوعي أن لا يفقد توازنه وهو يقيّم أداء الحكومة على هذا الصعيد، فما واجهته من تحديات وما حققته من إنجازات في المرحلة الأولى لا ينكرها أحد، لكنْ ثمة شيء غامض حدث في الأسابيع الأخيرة عصف بأداء الحكومة، وأظهرها مرتبكة على هذا النحو الغامض والمريب.