أول خطوة للعرب مؤتمر باريس عام 1913م
أمل محي الدين الكردي
20-09-2020 08:59 PM
إن المؤتمر العربي الاول في باريس والذي جاء بفكرة خمسة شباب عرب كانوا يدرسون في باريس وهم: عبدالغني العريسي ومحمد المحمصاني وتوفيق الفايد وعوني عبدالهادي وجميل بك مردم والذي كان المؤتمر ممثلاً بهؤلاء الشباب وبحزب اللامركزية الادارة العثمانية الذي كان يتخذ القاهرة مركزاً له وبالجمعية الاصلاحية البيروتية التي كانت قد تألفت في نهاية عام 1912م .
وقد مثل المؤتمر أكثر النشاطات السياسية العربية العلنية التي دافعت عن الفكرة العربية الحديثة قبل الحرب العالمية الأولى وكتب مؤرخون كثر عن هذا الحدث السياسي وتداعياته وكان الحدث قد ركز على عدة محاور ولكن أهمها مطالبة الفئة الحاكمة من القومية التركية (جمعية الاتحاد والترقي ) بحقوق العرب في الدولة العثمانية .وقد تعرض هذا المؤتمر للهجوم فمنهم من قال : انه حركة متفقة تخدم المصالح الاوروبية عامة والمصالح الفرنسية خاصة، والتي كانت تهدف في حينها الى وضع المشرق العربي تحت احتلالها مباشر او نفوذ غير مباشر ،وهذا ما أثبته اتفاقيات سايكس بيكو أثناء حرب عام 1914-1918م وأقام الانتداب على سوريا ولبنان والانتداب البريطاني على فلسطين بعد الحرب.
ولا أستطيع في هذا المقال التطرق الى مختلف التيارات الفكرية والسياسية والاجتماعية التي شاركت في مؤتمر باريس ، فإذا أمعنا النظر بالفكرة الأولى نجدها تتحدث عن الحياة الوطنية ومناهضة الاحتلال عند تلك النقطة نجد ان الفكرة كانت دفاعية ضد الاستعمار الاوروبي وضرورة الاصلاح على قاعدة اللامركزية. لأن العديد من العرب اعتبروا ان الدولة العثمانية لم تعد قادرة على حمايتهم فطرحوا فكرة التعبئة الذاتية والعمل على قاعدة اللامركزية والاعتماد على النفس دون الرجوع الى مركز الدولة في العاصمة الذي انهكته الحرب والهزائم لذلك نجد ان الخوف من اوروبا وليس من الدولة العثمانية .ولعل ما نجد في تحليل كرد علي في جريدة المقتبس الدمشقية في نهاية عام 1912م قائلاً : يطلقون في اوروبا شعار "مقدونيا للمقدونيين" واذا استخدمنا هذا المنطق نفسه فإن ذلك يعني إن سوريا للسوريين وليس للفرنسيين لأن سوريا عثمانية وستظل كذلك ما دامت الدولة العثمانية قادرة على الدفاع عن هذه الولاية وغيرها! ويتفق مع كرد علي الذي غاب عن المؤتمر مع كلام رئيس المؤتمر الشيخ عبد الحميد الزهراوي الذي أعلن قبل بداية أعماله قائلاً: نحن لا نريد الانفصال بل عكسه ومطالبنا من الحكومة العثمانية مطالب تؤدي الى تحسين حال الدولة والعنصر العربي معاً. هذا وقد طرح عبد الغني العريسي سؤالاً هل العرب حق جماعة؟ في المؤتمر أجاب بنفسه في المؤتمر (إن الجماعات في نظر علماء السياسة لا تستحق هذا الحق الا إذا جمعت على رأي علماء الالمان ).
واضاف العريسي تتساءلون عن ماهي حق الجماعة في الامة العربية فبياناً لهذا الحق أقول : أول حق للجماعة الشعوب حق الجنسية فنحن عرب قبل كل صبغة سياسية حافظنا على خصائصنا وميزاتنا وذاتنا منذ قرون.
وهكذا يمكننا القول ان عروبة المؤتمر كانت دفاعية على جبهة الخوف على الارض والوطن والاحتلال اتجاه اوروبا وكذلك دفاعية على جبهة الخوف على الوظائف المحلية وعلى اللغة والثقافة العربيتين.
لقد استطاع المجتمعون العرب الوصول الى اتفاق مشترك مع حكام اسطنبول الفعليين حيث أرسلت جمعية الاتحاد والترقي مندوباً والذي قدم فيه تنازلات فيما يتعلق بمطالبهم بالحكومة المركزية وهذا ما نجده عندما ارتفعت اصوات البعض معترضين على الاتفاق والذي تدخل عبدالكريم الخليل أحد أبرز ممثلي التيار العروبي مقنعاً زملائه بأن الاتفاق هو الافضل لانه يحقق جزء كبيراً من المطالب العربية ويحافظ على اللحمة العربية – التركية التي من دونها يصبح الاحتلال الاجنبي شبه مؤكد .
ونجد بعض مثقفي مصر ركزوا على ان منظمي المؤتمر استبعدوا المصريين من المشاركة وهذا ما اكده الدكتور عبد العظيم أنيس في مقاله له بعنوان "مصر والمثقفون الشوام" في الهلال مارس 1994م إن منظمي المؤتمر في المشرق العربي رفضوا قبول المصريين ارضاءً لبريطانيا لتأكيد أن مصر ليست جزء من القومية الحديثة التي يدعون اليها ، وكتب ان الدكتور سيد افندي كامل الذي حضر المؤتمر قد سأل الشيخ الزهراوي ؟ اذا كان للمصري أن يشترك في المناقشات وان رئيس المؤتمر الشيخ الزهراوي أجاب بالنفي بصورة قاطعة الا أن تفسير هذا الحوار كان مختلفاً عن مسألة الارتباط ببريطانيا أو بغيرها.
وفي الجلسة الختامية للمؤتمر اتخذت قرارات، منها أن الإصلاحات واجبة وضرورية للمملكة العثمانية، وأن يكون مضموناً للعرب التمتع بحقوقهم السياسية، باشتراكهم في الإدارة المركزية للمملكة. وأنشاء إدارة مركزية في كل ولاية عربية للنظر في حاجاتها وعاداتها، وأن تكون اللغة العربية لغة رسمية في الولايات العربية، وأن تكون الخدمة العسكرية ضمن أراضي الولايات العربية. واذا لم تنفذ القرارات التي صادق عليها المؤتمر، يمتنع الأعضاء المنتمون إلى لجان الإصلاح العربية عن قبول أي منصب في الحكومة العثمانية.
يتضح لنا من خلال هذه القرارات ومن الرجوع إلى أسماء المؤتمرين أن المؤتمر كان قومياً عربياً ضم المسلم والمسيحي، وأن قراراته في جملتها لا تتعدى المطالبة بالاشتراك في الحكم المركزي، وأن تكون اللغة العربية لغة رسمية، وأن يتمتع العرب بحقوقهم القومية في دولة هم فيها اكثر من نصف السكان.
اذا نظرنا الى المشاركين لوجدناهم تجمعهم لغة وتاريخ وعادات واحدة ولكن لا شك لم يكونوا على قلب واحد ومنهم لم يكن مخلصاً للفكرة العربية ولكل منهم اجندته الخاصة.
وتبقى الوثائق والخطابات في حينها خير الشواهد على ذلك وكانت فكرة المؤتمر العربي الاول عام 1913م خطوة ليست سهلة على المشاركين ومنظمين المؤتمر بكل سلبياته وايجابياته في طريق التنفيذ والتفكير.