facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




الحل علينا، منا وفينا ..


م. أشرف غسان مقطش
20-09-2020 03:05 PM

(No smoking, drinking, or eating in this vehicle, Thank you)

هذه تعليمات وضعها سائق أوبر خلف الكرسيين الأماميين. هنا في عمان في الأردن.

قلت للسائق: هل الشركة الأم هي التي طلبت منكم وضع هذه التعليمات؟

-: لا يا خال، هذه مني أنا، ذات مرة نسي أحد الركاب سيجارته في المقعد الخلفي وكادت أن تأتي عليه لولا تدخلي في الوقت المناسب. ففكرت ان أضع هذه التعليمات كي لا يتكرر الأمر.

-: يبدو أنه لم يكن عربيا.

-: بلى كان عربيا. من هذه البلاد.

-: إذن لماذا لم تضع تعليماتك باللغة العربية؟
نظر إلي في المرآة ولم يحر جوابا بداية، صمت برهة. ثم قال: الدنيا كلها صارت بالإنجليزية.

-: يا معلم، أنا ولدت مسيحيا، أنت يبدو أنك مسلم، ومع هذا فأنا أقدس اللغة العربية لأنها لغتي أبا عن جد، وأنت ترمي بها عرض الحائط رغم أنها لغة القرآن. أراد أن يقاطعني لكنني تابعت قولي: إسمح لي أن أكمل، أن تعاصر الحياة لا بأس بذلك، أؤيدك، أما أن تتخلى عن أصالتك في سبيل المعاصرة فإني أعارضك بشدة، ماذا لو كانت تعليماتك باللغتين العربية والإنجليزية؟ نحن العرب يا معلم، صعودنا ورقينا بأيدينا ونزولنا واندحارنا بأيدينا، وأنت على ما يبدو من الفريق الثاني مع الأسف.

ورد السائق ردودا عديدة من بينها: أنت عملت من الحبة قبة. وطال الحديث بيني وبينه مما لا داعي لذكره هنا.

يقول شاعر النيل حافظ إبراهيم:
أيطربكم من جانب الغرب ناعب*ينادي بوأدي في ربيع حياتي

والشاعر هنا يتحدث باسم اللغة العربية التي تتذمر من اختراق اللغات الإفرنجية لمجتمعنا العربي إذ تتساءل فيما إذا كانت اللغات الغربية عموما تستهوينا إلى حد أننا نرضى بانقراض لغتنا الأم، اللغة العربية.

سادتي القراء،
العروبة مصدر فخر واعتزاز لي، ولربما كان في اعتزازي شيء من التطرف إلى حد أنني أستخدم الأرقام العربية (1،2،3،...) في منشوراتي ومقالاتي بدلا من الأرقام (١،٢،٣...) التي يظن البعض منا أنها عربية. إذا كان هناك تخلف نعاني الأمرَّيْن منه فهذا لأننا في أغلب ظني لا نقدر قيمة أنفسنا بما جُبِلَت عليه من إنسانية أولا، وبما اصطبغت به من هوية ثانيا، وهويتنا: العروبة. نحن كعرب يفترض بنا أن نفرض على غيرنا إحترامهم لنا. وأول خطوة بناءة في هذا الإتجاه، أن نحترم أنفسنا بما اصطبغت به من عروبة بكل مجالاتها من لغة وقيم وأعراف وعادات وتقاليد وعلم وأدب ومعرفة وحتى ديانات ومذاهب وفرق وطوائف على اختلافها وتبايناتها...إلخ. ومن لا يحترم نفسه لا يحترمه أحد.

بعد مرور عشرة أيام على اندلاع حرب تشرين الأول عام (1973)، التقت مجموعة من وزراء الخارجية العرب بالرئيس الأميركي نيكسون ووزير خارجيته كيسنجر في البيت الأبيض. وفي رده على سؤال وزير خارجية الجزائر حول السبب الذي منع الولايات المتحدة من السعي لتطبيق قرار مجلس الأمن (242) منذ صدوره حتى قبل أن تخترق القوات المصرية خط بارليف، كان مما قاله كيسنجر: "كان العرب ضعاف؛ لكنهم الآن أقوياء". (1)

لا أنكر أن هناك عادات وتقاليد وقيم وأعراف بحاجة إلى تغيير، لكن ما منطلق هذا التغيير؟ إذا كان تقليدا للغرب فهو ليس دائما بأمر صائب برأيي وقد أكون مخطئا في ذلك، أما إذا كان بما يتواءم مع نسق حياتنا الذي يأخذ شكله بصورة طبيعية بمرور الزمن، وبما يعود على المجتمع بالنفع ويقلل الضرر؛ فهو ليس دائما بأمر خاطئ في رأيي وقد لا أكون مصيبا في ذلك.

آن الأوان أن ننظر الى أنفسنا، إلى مجتمعنا، إلى تراثنا، لنلملم الجزئيات من واقع حالنا، من صميم يومياتنا، من جملة تصرفاتنا وسلوكياتنا، هنا الحل، بيننا يكمن، أكاد أجزم.

المجتمعات عموما في صيرورة دائمة، في حركة دائبة، وحركة المجتمعات الغربية تختلف عن حركة مجتمعاتنا في قليل أو كثير، الإتجاه الذي تسير به المجتمعات الغربية يتباين عن الإتجاه الذي تسلكه مجتمعاتنا بطريقة ما أو أخرى، وبالتالي ليس كل ما يصلح للمجتمعات الغربية مناسب لمجتمعاتنا، حتى الطعام!

جاء إلينا المفكر نوبوأكي نوتوهارا من اليابان، وأمضى أربعين عاما بين ظهرانينا ليدرس الشخصية العربية المجتمعية، ليبحث في شأن الفكر العربي الجمعي بوعيه وبلاوعيه، ليشرِّح العقل العربي الجمعي، فبماذا ينصحنا؟

يقول لنا: "هناك حقائق في الدين وفي الكتب وفي آقوال القادة السياسيين، ولكن الحقائق الموجودة في الوقائع، لا بد أن نكتشفها بأنفسنا. دراسة الوقائع مهمة دائما لأنها تتضمن حقائق جديدة لا بد أن نواجهها." (2)

ومن حقائق الوقائع التي أنبه إليها وأتمنى على جامعاتنا دراستها وتحليلها: لماذا وضع سائق أوبر التعليمات باللغة الإنجليزية ولم يكلف خاطره بوضعها باللغة العربية؟

ماذا عن الدين الإسلامي؟ أليس هو الحل؟ قد
يسألني سائل.

وهنا أجيب السائل: هل الدين الإسلامي هو الحل في شقه السني أم في شقه الشيعي؟

هوامش المقال:
(1) كتاب (العرب من الفتوحات العثمانية إلى الحاضر)، لمؤلفه يوجين روجان، ترجمة محمد إبراهيم الجندي، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، الطبعة الثانية (2014)، ص(479).

(2) كتاب (العرب: وجهة نظر يابانية)، لمؤلفه نوبوأكي نوتوهارا، الطبعة التاسعة (2016)، منشورات الجمل، ص(13)





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :