للكلمة والمفردة معنى محسوس في أية لغة. ودلالة الكلمة تكتسب معناها من الحياة المعاشة، للجماعة الإنسانية التي انتجتها. وحين يجري نقل الكلمة من البيئة التي انتجتها، إلى بيئة أخرى، بالترجمة أو بغيرها، فإنها تخسر شيئاً من معناها ودلالتها. بل وأكثر من ذلك، فقد تكتسب دلالات أخرى من ثقافة الجماعة التي قامت بنقلها. وقد تدخل المفردة إلى لغات أخرى بنفس لفظها، مع ما لحق بها من تشويه في المعنى والدلالة. والمشكلة هنا، تأتي عندما تتحاور الجماعات بنفس المفردات، معتقدة أنها تقصد ذات المعاني..!!.قبل عقود، أدخل اليسار العربي إلى الثقافة العربية كلمة راديكالي Radical بمعنى ثوري . والكلمة بلفظها الأجنبي لا تقل تشويشاً عن المعنى المختار لها. بما في ذلك الزمن الذي نقلت فيه. فبعد انزياح ظلال الثورة، عمّ وساد استخدامها بلفظها الأجنبي راديكالي . وعلى السامع والقارئ، أن يستعير معناها العربي من أزمان اختفت.
الترجمة الحرفية للكلمة الإنجليزية راديكال هي: (راسخ/جذري/ متطرف/متمسك). وكل هذه المعاني منفردة قد لا تعني الدلالة الكاملة للمفردة، عند الجماعة التي انتجتها.
مؤخراً، وفي زمن مختلف طبعاً، جرى تداول كلمة مودريت Moderate ، بمعنى (معتدل/غير متشدد). ويقصد بها في اللغة الانجليزية عكس الكلمة راديكال . ولاحظ ان عكس معتدل لم يدخل في المعاني المقترحة ل راديكال ، أي بمعنى (متشدد/غير معتدل).
قبل ثمانية أشهر، صدر كتاب أمريكي بالغ الأهمية. بعض الصحف العربية، قامت بترجمة ما كتبته دور العرض والصحافة الأمريكية عنه، ومن دون قراءته. فالبعض نقل العنوان كما هو راديكال هوب/ أي الأمل الراديكالي . والبعض الآخر ترجمة إلى : الأمل الوطيد . أما الكتاب فيحمل عنواناً فرعياً، يشرح العنوان الرئيس، هو الأخلاق (أو المبادئ الأخلاقية) في مواجهة (دمار أو اختفاء) الثقافة .
في بلادنا، نادرة هي تقاليد الالتزام، بالأصول العلمية والمعرفية لعرض الكتب. ولا مجال في هذه المقالة لاستعراض الكتاب، برغم صفحاته القليلة، وأهميته البالغة. ورغم ذلك فقد وظفت الصحافة الأمريكية عرضه في انتقاد سياسة الرئيس بوش في الشرق الأوسط، وفي أماكن أخرى من العالم.
باختصار، الكتاب قائم على تحليل شهادة آخر زعيم لاحدى قبائل الهنود الحمر. وهي شهادة موثقة، أدلى بها الزعيم قبل وفاته بقليل، حول ما حدث، حين وافق على التعاون مع حكومة واشنطن، مطلع القرن العشرين، وأقنع شعبه بمغادرة أرضهم، والعيش في أرض معزولة، وممارسة أية مهنة باستثناء مهنتهم الأصلية صيد الجاموس والقتال ، وما رافق ذلك من اختفاء ثقافاتهم وقيمهم.
تحليل الكاتب للشهادة هو للوصول إلى إجابة، يحتاجها العالم اليوم، وتحتاجها الإدارة الأمريكية في سياستها الحالية. والإجابة المطلوبة هي لسؤال: ما الذي يحدث حين تموت، او تنهار او تختفي، ثقافة شعب ما؟! والكتاب كله، الصادر عن جامعة هارفارد، يدور حول أفضل الخيارات لاحتواء تداعيات ذلك الاختفاء والانهيار.
شهادة زعيم قبيلة السكان الأصليين في غرب الولايات المتحدة، تحتمل معاني وتحليلاً أكثر بكثير مما ذهب إليه الكاتب. فاحدى فتيات القبيلة، التي امتهنت، بعد الرحيل، مهنة بنات الليل تقول: إنني أحيا حياة لا أفهمها ..!!.
زعيم القبيلة اعتبره البعض خائناً لشعبه، لتعاونه مع حكومة واشنطن. أما الكاتب فاعتبره شجاعاً من نوع مختلف، لمحافظته على الأمل بالحياة، لدى شعبه اليائس. وقد قام بتشجيع شعبه على التعليم، والانفتاح حتى على دين الرجل الأبيض. ورغم أنه لم يكن محبطاً، حين أدلى بشهادته، إلا أنه قال لمحدثه: أستطيع ان أحدثك أكثر عن الحرب، وعن سرقة الخيول. ولكن حينما اختفى الجاموس، وقعت قلوب شعبي على الأرض. ولم يستطع أحد رفعها ثانية. وبعدها لم يحدث شيء .
أي ان كل ما حدث، بعد اختفاء نمط حياة الجماعة وثقافتها، ليس شيئاً.. أو على الأقل لا قيمة له، بحسب آخر زعيم هندي أحمر كبير: بلنتي كوبس .
FAFIEH@YAHOO.COM