يقول التاريخ وكلنا نردد من ورائه أن مدينة المفرق هي بوصلة الراحلون والآتون على السواء، كانت هكذا عبر الاف السنين وستظل لتمارس دورها الذي رسمه موقعها الجغرافي النادر باعتبارها تقف على مفترق طرق بين الشرق والغرب والجنوب والشمال وستظل على الدوام محطة لفرسان الارض تأخذ منهم وتعطيهم في كرم وسمها ووسم اهلها منذ القدم.
أن تكون مولوداً في مدينة المفرق او في اي جزء فيها تجعلك على الدوام تحمل حنين الماضي وزهو الحاضر والمستقبل وتجعلك دائما تراقب النشاط الانساني العامر في هذه المدينة التي تعطي اكثر مما تأخذ وذلك ربما لطبيعتها المتحركة باعتبارها مفترق طرق ومحطة أمان لمن يقصد الامان.
وربما كغيرها من الحواضن الأردنية فمدينة المفرق شكلت مصنعاً للفرسان وللشباب الذين ما ان يشتد ساعدهم ويمتلكون مهارات العطاء الفكري والانتاجي حتى ينطلقون في رحلة الاسهام في عملية التنمية في كل ارجاء الأردن ولكنهم في اخر اليوم يرجعون الى حاضنة الامل ومنبع القوة والعطاء المفرق.
وهذا ما سجلته ذاكرة المكان حين تجمع شباب المفرق ذات يوم على طريقة الفرسان ليشاركوا بني وطنهم الأكبر في رسم معالم مستقبل الشباب فتركوا ولا زالوا يتركون بصماتهم في كل مضمار يحلون به وهذا اكسبهم حب كل الأردنيين واحترامهم لانهم يتسلحون باخلاق الكرم التي جبلتهم عليها مدينتهم المفرق التي تنبض بالحياة العامرة في كل يوم.
المفرق... شكل أخر لم تعتاده روحانيات المدن وطرائقها التي تحمل على جنباتها مفردات المدينة، هنا يدوم الربيع أياماً قصارا..
وهنا يعرف المرء لماذا كان الرحالة الأوروبيون يمجدون البادية ويقطعون عرض البحار فيعيشون بين البدو في حلهم وترحالهم..
هنا تعرف كيف تبحث عن الذات، عندما تنعدم ألوان الأشياء.. وهنا تعلمت إن الكلام قليله المفيد...فهل أقول أن الرحال حطت ووجدت؟ أم تراها أضاعت منها الحنين..!!
ثمة دهشة، تكونها المدينة في أول مشهد لك فيها، وهذا حال كل المدن، فنذهب للبحث عن تقاليد العمران والاجتماع دونما إحساس، بما ستكون عليه الصورة في النهاية، ذلك لان المدن اعتادت أن تعطي مرتاديها وجهين، وجه النهار ووجه المساء، ففي"أسواقها المتعبة" والتي لم تدلل بعد، تبدأ قوافل البدو مبكرة إلى "سوق البدو" صباحاً تضيف إلى المدينة أخر طقوس الطهارة، وتزيل عنها مدخلات تلوث المدن المعتاد.
وإذا ما كنت مشبعاً بثقافة تاريخية بسيطة، فأن كمّاً من التساؤلات سيطرح بعد جولة قصيرة قد تستغرق الساعة، فتذهب في رحلة مع الأسئلة، ترصد الأسماء والوجوه فيها، وتربطها مع حالة المدينة وتكوين مدخلاتها، الثقافية والاجتماعية والاقتصادية.