التعايش مع كورونا .. الواقع الحتمي المفروض
فيصل تايه
19-09-2020 10:23 AM
بعيدا عن اشكالية نظرية السبع والضبع ، فان اغلب دول العالم اتجهت في هذه المرحلة نحو التعايش مع وباء كورونا ، وما لمسناه خلال تجربتنا الماضية في التعامل مع هذا الوباء اللعين يؤكد أن تكلفة الإغلاق الكامل لكافة أنشطة الاقتصاد والعمل لا يمكن ان يتحقق لأي دولة ، مهما كانت قدراتها وإمكانياتها ، والاردن كباقي الدول ليس مستثنياً من هذا ، وما اتخاذ سياسة الفتح التام لكافة القطاعات والعودة للنشاط الاقتصادي الكامل الا خطوة تتطلب من الجميع التعاون لاستمراريتها التامة من أجل مواجهة هذا الوباء ، وممارسة كافة المواطنين حياتهم الطبيعة .
لقد اضحى خيار التعايش مع فيروس كرونا أمرا واقعيا ومحتوماً بعد استمرار حالة الصراع الطاحن ضد هذا الكائن المجهري الذي استطاع أن يغير ملامح و معالم الحياة وان يوقف عجلاتها بمختلف مناحيها و جوانبها ، و اصبح من الضرورة الملحة استعادة مافقدناه من توقف في الاقتصاد والاعمال ، واصبح من الضرورة ايضاً ان نمارس حياتنا بطريقة مسؤولة و نحافظ على اسرنا ووطننا ، وهنا وجبت الاشارة الى أن اُسرنا اليوم مسؤوليتها كبيرة ، وكذلك الافراد فعليهم مسؤولية حماية انفسهم وحماية اسرهم ، ولا يفسر ذلك بان الحكومة قد تخلت عن مواطنيها ، ولكن هذا أمر واقع مع فيروس سيستمر طويلا كما تشير التقارير ، ولذلك يجب أن نتعايش مع هذا الوضع ، فعلى كل اسرة ان تعلم أبناءها كيفية التعايش مع الواقع بمسؤولية بعيدا عن الاستهتار ، فاجراءات الحكومة لا تعني التخلي على التعليمات التي تلقيناها خلال الشهور الماضية، بل على عكس من ذلك يجب التحلي باليقضة و حس المسؤولية الذاتية و الوطنية ، وان نكون واعيين في تصرفتنا و مسؤولين عن قرارتنا ، فإعادة فتح الحياة ليس معناها أن نستهتر بالإجراءات الاحترازية ، وان نتقيد بجميع الاشتراطات الصحية التي تلقيناها خلال الشهور الماضية ، بل ومن الضروري أن نتخذ جميع التدابير الوقائية لمنع الفيروس من الوصول إلى بيوتنا ، إن كنا واعين في تصرفاتنا ومسؤولين عن قراراتنا.
دعوني أؤكد مرة أخرى ان من الخطأ أن يتصور البعض أن استئناف مظاهر النشاط الاقتصادي والعودة إلى العمل التام ، قد يعني التخفيف من الإجراءات الوقائية والاحترازية المتبعة، بالعكس فإن الالتزام الآن بكامل الإرشادات والتعليمات الخاصة أصبح مضاعفاً ، حيث تقع المسؤولية الأكبر في هذه المرحلة على عاتق أفراد المجتمع ككل ، لأن الدولة لم تُقدم على هذه الخطوة ، إلا لأنها كثفت جهودها منذ بداية ظهور هذا الوباء في توعية الجميع ، وتعريفهم بسبل الوقاية وكيفية التعامل الاحترازي معه ، وأصبح الآن الرهان على وعي المواطن ، والتزامه في تجاوز هذه الأزمة ، ولا شك في أن الإجراءات الاحترازية والتوعوية التي كانت قد اتخذتها الدولة وما تزال هي التي مهدت الطريق للمرحلة الحالية ، التي يتم خلاها التوازن بين كيفية التعايش مع كورونا واستئناف النشاط الاقتصادي والعودة إلى العمل ، وهنا تكمن المسؤولية على الإعلام الوطني، الذي يجب ان يقوم بدور حيوي في الإستمرار بتوعية المواطنين ، كما ويجب الالتزام بتحميل تطبيق " امان " و " صحتك " التي هي جزء من الإجراءات الصحية والوقائية التي يجب اتباعها لسلامة وصحة الأفراد من فيروس كورونا.
اذاً يبقى الرهان على الوعي المجتمعي في مواجهة كورونا واحتواء انتشاره، فمهما كانت طبيعة الإجراءات الوقائية والخطوات الاحترازية، فإنها تظل بلا جدوى دون الالتزام الكامل والطوعي بها من جانب أفراد المجتمع، فالشعوب التي استهانت بتنفيذ التعليمات والإرشادات ما تزال تعاني حتى الآن، وتكاد منظومتها الصحية عاجزة عن توفير الرعاية الصحية بشكل جيد للمصابين، فما نتمناه من المواطن هو الإحساس العميق بالمسؤولية تجاه الوطن ودعم الجهود الحكومية من أجل عبور هذه الأزمة، وذلك من خلال الالتزام بالتباعد الجسدي ، وعدم الخروج من المنزل إلا في أضيق الحدود وللضرورة القصوى ، وعدم الالتفات إلى أية أخبار أو معلومات غير موثوقة، خاصة تلك التي تنتشر على وسائل ومنصات وسائل التواصل الاجتماعي ، وتروج لمعلومات مغلوطة حول كورونا ، سواء في ما يتعلق بانحساره عالمياً، أو تراجع خطورته ، لأن ذلك من شأنه أن يؤثر بالسلب على الجهود الحكومية الكبيرة التي تُبذل في مواجهة هذا الوباء.
وأخيراً ايها المواطن تبقى أنت السبع ، وأنت الدرع المنيع التي سيقف في وجه الفيروس "الضبع" وتحاربه على جميع الصعد ، فأنت من ستواجه بذكاء وبفطنة بعد أن اكتسبت الخبرة والمعرفة ، فعليك أن تبقى مستعداً لهذا التحدي ، وأن تتعايش وافراد اسرتك مع مستجداته وظروفه المتغيرة، وأن يكون كلك آذاناً مصغية لكل التعليمات التي تصدرها الجهات المسؤولة في الحكومة ، وأن لا تستهتر بأي صغيرة أو كبيرة، فقوتنا البشرية هي أغلى ما نملك، ومن الواجب أن نساند وطننا في هذه الظروف الاستثنائية.
بقي ان اقول ان العقوبات المغلظة الأخيرة والصادرة بناءً على امر الدفاع رقم "١٦" لم تأتي الا للحد من انتشار فيروس كورونا بهدف حماية المجتمع من الأضرار الناجمة عن استخفاف البعض بالتعليمات والقرارات في ظل تزايد الإصابات ، أو الارتكان لمتغيرات واهية ، ولوضع حد لاستهتار هذه القلة القليلة ، فجاء الامر للحد من مثل هذه المخالفات التي قد تسبب انتقالاً للأمراض، ما يكلّفنا الكثير والكثير ، ولنضع في حسباننا أن هذه الظروف هي ظروف استثنائية يفرضها واقع الحال .
حمانا الله من شر هذا الوباء وكفانا الله وإياكم شرور الأمراض ، والكوارث ، ما ظهر منها وما بطن.