خدمة العلم .. موجز في تاريخها
د.بكر خازر المجالي
19-09-2020 09:59 AM
* وعاء وطني لخدمة الوطن الاكبر وانطلاقة من قلب الاردن الى قلب الامة العربية
كانت البداية لقانون خدمة العلم عام 1976م ، ليأتي القانون بديلا لنظام التجنيد الاجباري الذي كان يعتمد على اخذ الشباب ممن هم في سن الخدمة المطلوبة من اي مكان قد يصادف وجود ذلك الشاب فيه سواء في حافلة او مقهى او في الشارع ، وقد شاب هذا النظام العديد من الثلمات ، ولا عدالة فيه ،وهناك اساليب عديدة للتحايل عليه بالتلاعب بالاسماء وغيرها .
وكان لهذا النظام ضروراته حينها للحاجة لرفد القوات المسلحة بالمجندين خاصة في فترة الستينات حين كانت الجبهة الاردنية مع العدو مشتعلة باستمرار والاخطار تحدق بنا من اكثر من جهة .
استمر قانون خدمة العلم لعام 76 لحوالي عشر سنوات ،حين تم عرض مشروع قانون جديد قد صدر تحت رقم 23 لسنة 1986، واستمر تنفيذه حتى عام 1991م حين كان قرار ايقاف العمل بخدمة العلم، مع العلم والتأكيد انه لا علاقة لدخول الاردن في مفاوضات السلام مع ايقاف العمل بخدمة العلم على الاطلاق ،
ومن ثم طرأ تعديل آخر على قانون خدمة العلم عام 2019م ، وهو تعديل شكلي تعلق بالمسميات تقريبا لاختلافها عن عام 1986م .
ومع اعادة تفعيل القانون حاليا ، وباسلوب مختصر لنصف المدة السابقة ، لمضاعفة عدد المشمولين في التدريب ،واناطة الموضوع بوزارة العمل بالتنسيق مع القوات المسلحة ،فقد جاء القرار في محاولة لامتصاص جزئي لأثار البطالة التي تزيد عن 20% ،ولا يمكنها ان تكون حلا على الاطلاق ، الا اذا كان التدريب بالاضافة الى كونه عسكريا ان يشمل التدريب المهني ليتخرج المكلف وهو يحمل مهنة ما ،
الشيء المهم في خدمة العلم هو الاستثمار في الانسان ، والتأثير في سلوكياته ، لأن الحياة العسكرية فيها صقل للشخصية ، وتنشيط للحالة الذهنية والحركية ،لان الرياضة اليومية واستغلال ضوء النهار من الفجر حتى الغروب يمكنها ان توجد الشخصية التي تستطيع ترتيب برنامجها اليومي ، اضافة ان التدريب العسكري الذي قوامه الطاعة والادراك سيطبع شخصية الملكف بالتواضع والمثابرة والصبر والقدرة على التحمل ، اضافة الى ان الحياة العسكرية هي بحد ذاتها مجتمع تكافلي تعاوني حين يعيش المكلف مع زميله طيلة النهار في العمل ، ويتسامرون معا ليلا ، ان هذه الحياة هي تختلف عن حياة معظم الشباب حاليا الذين يقضون فترات طويلة في السهر وغيرها .
حين نعود الى بدايات تطبيق قانون خدمة العلم نستذكر ان المغفور له الملك الحسين طيب الله ثراه قد رعى تخريج اول فوج من المكلفين بعد انتهاء التدريب بتاريخ 9 تشرين الثاني 1976 ، والقى جلالته خطابا يعتبر وثيقة تتحدث عن اهداف خدمة العلم ، وبدأ الخطاب بتسمية المكلفين " ايها الجنود البواسل " بمعنى الارتقاء لمستوى الجندية للمكلف مكانة وواجبا ،ومما جاء في خطاب جلالته وهو يثمن رسالة خدمة العلم :
"ان خدمة العلم هي اعلان عن أقصى انواع الولاء للوطن ،ففي خدمة العلم يلتزم الشباب الاردني بتقديم نفسه وحياته لوطنه اذا ما دعا الداعي ،وفيه يعاهد ربه على ان يكرس عمره لبلده ولأمته ، وفي خدمة العلم يتعلم ابناؤنا معاني الجندية وهي معان يقوم عليه كل وطن وكل مجتمع ، لأنها معاني الاخلاص والتضحية والانضباط والبسالة والعمل المخلص، ودون هذه المعاني لا تقوم لمجتمع ائمة ولا تنشأ حضارة ولا تتكون أمة ."
وخدمة العلم تأتي كواجب وطني للدفاع عن الأرض والمكتسبات ودرء المخاطر التي تحيط بنا وهنا لخص المغفور له الملك الحسين بخطابه في حفل تخريج الدفعة الاول من مكلفي خدمة العلم بقوله :
"بلدنا يواجه تحديات تاريخية يفرضها واقعه الجغرافي والمرحلة التاريخية التي تمر بها امتنا .فالاردن طليعة المواجهة في المعركة المرة القاسية مع أعداء الامة العربية ،فلقد جابهنا الهجمة الصهيونية العدوانية على أمتنا بصدرنا منذ مطلع هذا القرن ، ولقد تحملنا دفاعا عن امتنا الصدمة تلو الصدمة ، ودفعنا ثمن ايماننا بقضية امتنا العربية وحقوقها من دم ابنائنا ومن مواردنا القومية ،وجازفنا بمصيرنا وبكياننا في كل مواجهة مع العدو ، ولم يتردد الاردن يوما في ان يقف الموقف القومي الشريف إزاء أمته وحقوقها مهما كانت الاخطار ومهما كانت التضحيات ،ولئن كنا ندعو أمتنا للعقل والحكمة وللتخطيط المسؤول بالنسبة لقضاياها ولمواجهة الظروف الدولية المتغيرة فإننا كنا دائما أول من يلبي النداء حين تقع الواقعة وينفجر الخطر ،.وكان اخوانكم الجنود يندفعون لمواجهة الموت بقلوب مؤمنة ووجوه باسمة وصدر منشرح."
واليوم لن تختلف الرسالة ولا الاهداف والمعنى ، وكما يقول جلالته رحمه الله " . ان فكر وقلب هذا البلد هو فكر وقلب الثورة العربية الكبرى ،وأن آمال وأهداف هذا البلد هي من صلب آمال وأهداف الامة العربية حين ايقظتها في مطلع هذا القرن الثورة العربية الكبرى تدعوها للنهوض واللحاق بركب العالم المتقدم وتحضها على الاتحاد والتماسك والتوجه بخطى ثابتة الى المستقبل مع التزام بالتراث والتاريخ ."
ومن هنا ننظر الى خدمة العلم في المرحلة الراهنة انها جاءت في ظروف دقيقة بمثل ارتفاع نسبة البطالة ، وتعدد اتجاهات افكار الشباب الذين اصبحوا اسرى لمواقع التواصل المختلفة بافرازاتها التي تبتعد كثيرا عن قيمنا وعاداتنا ، ولذلك فان خدمة العلم ستكون هي وعاء وطني ومدرسة في تأكيد الارتباط بالهوية والأرض ،واحداث تغيير في سلوكيات الشباب بتطوير الاحساس بالمسؤولية وتعميق معاني الانتماء ، وبالتالي نتطلع الى خدمة العلم كمدرسة في الوطنية والتاريخ والثورة والدولة اكثرمن التركيز على فك وتركيب البندقية والرشاش وقذف القنبلة اليدوية ، نريد الجيل الواعي المؤهل والمتمع بقدرات بدنية وذهنية لان الوطن اليوم يحتاج لابنائه في مواجهة هذه الظروف الحساسة والخطيرة .