في جوانب الاصلاح والتنمية السياسية لا يختلف الناس على اهمية وضرورة التغيير. المشكلة تتبدى عندما يطرح السؤال حول نوعية التغيير المطلوب وبأي اتجاه. بعضهم يتطلع الى تغيير شامل يستند الى قواعد واسس موضوعية عامة تعامل الجميع على قدم المساواة وتلغي كل الترتيبات القائمة على اسس عرقية ومذهبية وقبلية ونوعية.
بحسب هذا الاتجاه يتطلب التغيير تحولا شاملا في البنى والهياكل والتشريعات وأن تصاغ تشريعات تستند الى افتراض المساواة الكاملة في الحقوق والواجبات والاندماج الكلي لفئات ومكونات المجتمع في بوتقة المواطنة المتساوية ويجري التحلل من الارث البيروقراطي والممارسات الارضائية ويتوقف الجميع عن اعادة انتاج المحاصصة والحماية الاغلاقية للجماعات والفئات ويشعر الجميع بان الهوية الوطنية الجامعة هي العنوان والمدخل للحقوق السياسية ومنطلقات تنظيم نيلها والاستمتاع بها.
بالمقابل يرى بعضهم ان مسار التشريعات المنظمة للحقوق السياسية هي الوسيلة الفاعلة للحفاظ على البناء الاجتماعي بتلاوينه القبلية والعرقية والطائفية والجندرية اضافة الى انه احد اهم الوسائل التي تحد او تمنع من سيطرة او استحواذ لون واحد على هيكل وبنية وعضوية المجلس التشريعي.
في الخطاب السياسي للمؤسسات التي عنيت بانتاج قانون الانتخاب الحالي اشادة تصل الى حدود المبالغة في توصيف حسنات ومزايا هذا القانون الذي يرى المروجون له انه افضل وصفة لتحقيق العدالة وتوفير فرص التمثيل للجميع فبالنسبة لهم يوفر القانون فرصة ذهبية لاصحاب الاتجاهات والافكار والرؤى المتشابهة ان يتحدوا في قوائم انتخابية يطرحون من خلالها تصوراتهم وبرامجهم على جمهور الناخبين في دوائرهم ليروا مدى تفاعل وتجاوب الناخبين مع هذه الطروحات ويقدرون الوزن النوعي لهذه الافكار والبرامج من خلال صناديق الاقتراع وعدد المقاعد التي بامكانهم الحصول عليها.
الطرح الحكومي يستند الى منطق وافتراضات يمكن ان تكون صحيحة لو ان المجتمع جاهز لذلك او لو ان المؤسسات المعنية بالتنمية السياسية وبناء الانسان مهدت لذلك. الحقيقة المؤلمة ان القانون المتقدم في افتراضاته ومنطلقاته يصطدم بواقع يجعل منه فريسة للاساءة والتشويه والاستغلال.
التشويه والاستغلال لقانون القائمة النسبية يأتي من كل المصادر ومن جميع الاتجاهات. حتى اليوم لا يوجد كتل او قوائم برامجية بالمعنى الدقيق للمفهوم.فالفكر والعمل الجماعي سمة غير مرحب بها كثيرا من قبل الدولة ومؤسساتها والاحزاب لم تتطور كثيرا لا من النواحي التنظيمية ولا على الصعد البرامجية. باستثناء الاحزاب التي ربطت نفسها بالدين واستثمرت اتجاهات الناس للتدين للتدليل على جماهيريتها بقيت غالبية الاحزاب في الاردن لصيقة بخطاب الاربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي مما جعلها بعيدة عن الهم العام وافقدها الديناميكية والقدرة على التعاطي مع قضايا الحاضر.
في غياب السياسة والفكر والشخصيات العامة المؤثرة يهيمن المقاولون والتجار واعوان المؤسسات الرسمية وبعض المتقاعدين والاكاديميين الضجرين على الفضاء العام في الدوائر الانتخابية بعد ان نجح بعضهم في استقطاب ما يكفي من الاقارب والمتحمسين لهم والعاطلين عن العمل.
الهم الاول للنواب السابقين ومن يظنون انهم اصحاب حظوة ولا مناص من عودتهم للمقاعد التي اشغلوها يتمثل في تشكيل قوائم يكونون هم اعمدتها وشيوخها. الكثير من اصحاب المال والنفوذ يهمسون في اذان خلانهم بانهم قادمون ويسمي بعضهم موقعه في المجلس القادم. لهؤلاء الزعماء المطلوب فقط عدد من الحشوات الصورية لاستكمال القوائم التي يرون انها صورية ايضا.
الحشوة والعمدة والقشرة مصطلحات جديدة دخلت الى القاموس السياسي الاردني لتلقي الضوء وتساعد على فهم مغزى ووظائف وغايات واشكال استغلال قانون الانتخاب النسبي. ما لم يكن الاشخاص اعضاء في احزاب ويشتركون في الاراء والاهداف والبرامج فستبقى القوائم والكتل والبرامج دروع واقنعة يختبىء خلفها الكثير من الانتهازيين والمدعين والمزيفين وسيحرم المجتمع من فرص التقدم نحو المستقبل الذي يستعيد فيه الثقة بالمؤسسات والقائمين عليها.
(الغد)