لم أشأ إبتداءً أن أختار عنوانا لمقالتي هذه بذات الصورة النمطية لتداعيات هذا الواقع الذي نعيشه؛ أملا في حصول انفراج قريب، ويبدو من هذا الواقع بأننا نعيش برغم عن الكورونا في رفاه للبعض منا وهو خارج واقعنا الملم من جهة؛ وأننا ما زلنا نساير واقعنا في ظل وباء الكورونا من جهة أخرى، فلا تحسنت ظروفنا المعيشية من جهة، ولا انتهينا من حربنا الكونية مع هذا الوباء، كما أنه يبدو بأن لا أحد يعلم سر هذا الوباء، كما لا أحد يعلم -كما يشاع- عن سر حالات القتل والإنتحار لمن يبحث من العلماء والمختصين في العالم عن حيثيات إيجاد مصل أو لقاح لهذا الوباء تحديدا، لكل ما تقدم، فما زال العرض الكوني مستمرا.
محليا؛ ومع الشكر لكل القائمين على الحفاظ ودرء المخاطر عن المواطنين في هذه الحرب الخفية، إلا أنه ومن قبيل استدامة الأمر الواقع ضمن أفضل الظروف وأنقاها، فأحد الأسئلة الملحّة هو سؤال يتعلق بالتعايش الحالي للواقع.. فهل نسير حاليا في الإتجاه الصحيح لنهج التنمية المستدامة بمفهومها العام؟ وما هي إجراءاتنا لمعالجة (الندب الإقتصادية) التي خلفها وسيخلفها هذا الوباء اللعين على الإقتصادين المحلي والعالمي؟ وهل ستأخذ شكل موازناتنا العامة القادمة والتي يتوجب البدء الفوري في رسم ملامحها، وما خلفته تبعات هذا الوباء من تضمين طرق وبدائل للحد من الهشاشة فيها؟ وكما نذكر جميعاً بأنه وبحلول شهر نيسان من هذا العام؛ فقد أغلقت نحو 150 بلدا جميع المدارس فيها، وفَرض واقع إلغاء التجمعات والفعاليات، واغلاق أكثر من 80 بلدا كل أماكن العمل لإحتواء الفايروس، وفُرِضت قيودا على السفر على نطاق واسع، كما أثَّرت الإغلاقات الإلزامية إلى جانب التباعد الاجتماعي التلقائي من جانب المستهلكين والمنتجين تأثيرا كبيرا على النشاط والتجارة في العالم، وصاحبتها تقلبات في الأسواق المالية العالمية، وتراجعات حادة شعرنا بها جميعا لأسعار النفط؛ والتي من المقرر لها أن تتراجع تباعا ونمطيا خلال المرحلة الثانية والثالثة للكورونا.
هنا في الأردن لابد لنا من التحول نحو اقتصاد انتاجي؛ وإن كان ما بقى من الوقت المتاح هو تحد بحد ذاته، وتأسيس قطاع خاص مملوك بشقيه لرأس مال محلي وآخر اجنبي لدفع مزيد من الثقة للإقتصاد، والسّماح لاحقا لمشاريع متوسطة وكبيرة الحجم بالعمل لإستيعاب اعداد الشباب العاطلين عن العمل؛ ويبدو أن العائق الأساسي الآن هو (الترهل الحكومي) على مستوى (أصحاب صنع القرار) فيه؛ والذي حال وما زال يحول دون جذب الإستثمارات المؤثرة لدرجة أن الأردن ومع كل ذلك أصبح واحدا من اكثر الدول انفتاحا على الإستثمارات، والأقل مخاطرة بسبب الوضع الأمني المستقر والأميز. أنظروا الى مفكري اقتصاد مصر.. فهل يعلم أصحاب الشأن المحلي بأن مصر وقبيل حلول العام 2030 ستكون (سابع) اقتصاد عالمي، في حين أن حجم اقتصادها الكلي في عام 2017 كان بالمرتبة (21) عالميا، وستكون أول دولة عربية أفريقية تحظى بهذه النقلة الإقتصادية الدولية، وستحظى اقتصاديات الهند بفرصة ثمينة لتكون بالمرحلة الثانية عالميا بعد أن كانت بالمرحلة الثالثة، واندونيسيا ستكون بالمرتبة الرابعة بعد أن كانت بالمرتبة السابعة، أما تركيا فستكون بالمرتبة الخامسة بعد أن كانت في المرحلة التاسعة مقارنة بالعام 2017. أما الصين فستبقى في المقدمة، في حين سيتراجع الإقتصاد الأمريكي ليكون بالمرتبة (الثالثة) بحاول العام 2030 بعد أن كان (ثاني) أكبر اقتصاد عالمي في عام 2017.
لا يعقل أن نبقى أسيري ومنظري الإقتصاد المحلي بحثا عن أسبابٍ لتبرير اخفاقاتنا الإقتصادية المتكررة دون احراز أي تقدم يذكر، وأن نبقى نحارب البطالة بطرق بدائية مثل التفنن بالإحالات المبكرة للتقاعد، لا بد من عمل دراسة اكتوارية لقطاعاتنا الإقتصادية لمحاربة الركود القاسي الحالي والمتوقع القادم؛ وخلق سيولة مالية وهنا يبرز دور البنك المركزي ووضع حوافز قطاعية، كما لابد للبنوك من لعب دور أكثر فاعلية؛ فأين مسؤوليتها المجتمعية أو ما تسمى ب Social Corporate Responsibility) (CSR)؟ فلطالما كانت البنوك هي الرابح المستمر على مر الزمن الماضي، فلم لا تلعب دورا في تأجيل الأقساط على المتعثرين ولو مرحليا للوصول إلى مرحلة الإرتداد والتعافي، حيث يتوقع بأن أعدادهم ستتضاعف خلال المرحلة القادمة؛ لتصل الى حوالي 5% من العدد الفعلي لسكان المملكة، فمن يحمل الإقتصاد الوطني هي المشاريع الصغيرة والمتوسطة وبيدها حوالي 70% من أدوات تحفيز الإقتصاد، نحن بحاجة لدور آخر للبنك المركزي في ضخ سيولة حوافز، ولتمكين القطاع الزراعي من النهوض من جديد، ماذا خططنا لأمننا الغذائي في ظل قطاعات مشهدها القادم لا يُنَبّىء بالأمل؛ فهل اقتصادنا بذات الزخم لمقاومة عناصر الهشاشة فيه؟ هل سيبقى الواقع المؤلم مستمرا أم بيد الحكومة - إن كان لها في العمر بقية- حلولا سحرية لا نعلمها... الله تعالى يعلمها؟...