تصنيف الجامعات عالميّاً: تايمز أم كيوأس؟
أ. د. مأمون عكروش
17-09-2020 06:10 PM
يعتبر تصنيف الجامعات عالميّاً من أهم المعايير للحُكم على أدائها الاستراتيجي وتحديد ملامح ديمومتها مستقبلاً. فهناك عدة مؤسسات ذات سمعة مرموقة تعمل على تصنيف الجامعات عالميّاً على مستوى الجامعة والتخصص والبرنامج وفقاً لعدة معاييرمعتمدة. فهناك تصنيف "شنقهاي" و"التايمز" و"كيوأس" وغيرها من التصنيفات العالمية. جوهر الموضوع بتعلّق بقدرة الجامعات الوطنية الأردنية أن تفرض نفسها على خريطة التصنيفات العالمية وتحقيق مواقع متقدمة جنباً إلى جنب مع أعرق الجامعات. التجربة تشير إلى أن أكثر التصنيفات التي حازت على اهتمام الجامعات الوطنية الأردنية هما تصنيف "التايمز" وتصنيف "كيوأس". أما بالنسبة لتصنيف "شنقهاي" فلا اعتقد أنّ جامعاتنا الوطنية قادرة على المنافسة في هذا التصنيف لأن (20%) من معايير التصنيف يذهب للجامعة التي لديها عضو هيئة تدريس فائز بجائزة نوبل و (10%) لخرّيج الجامعة الحاصل على الجائزة. حسب علمي لا يوجد جامعة وطنية اردنية لديها عضو هيئة تدريس او خريج فاز بجائزة نوبل العالمية. كما أنّ هناك (20%) من معايير تصنيف شنقهاي تٌخصص لنشر بحوث في مجلات علمية من وزن (Nature or Science).
يدور نقاشُ قي هذه الأيام في قطاع قطاع التعليم العالي الأردني حول هذه التصنيفات العالميّة وتحديداً تصنيفي (التايمز وكيوأس). جوهر النقاش يدور حول مدى دقة وموضوعية ومصداقية هذه التصنيفات والمعايير التي يتم استخدامها من أجل تصنيف الجامعات والى أي مدى يعكس التصنيف الأداء الحقيقي للجامعة على أرض الواقع.
حتى يتم معرفة الفروقات بين تصنيفي (التايمز وكيوأس) لا بدّ من التعرّف على معايير ومؤشرات التصنيف المٌعتمدة لدى كلُ تصنيف. يعتمد تصنيف (كيوأس) على ستة معايير رئيسية لتصنيف الجامعات عالمياً:
أما بالنسبة لمعايير تصنيف الجامعات وفقاً (للتايمز)، فهي تعتمد على خمسة معايير رئيسية تشمل ثلاثة عشر مؤشراً فرعياً وعلى النحو التالي:
إنّ قراءة دقيقة لمعايير التصنيف تُبيّن أنّ هناك تشابه بين تصنيفي (التايمز وكيوأس) من حيث الشكل، لكن هناك اختلافات جوهرية في جوانب هامة جداً، وهي معايير التصنيف نفسها والأوزان المعطاة لكل معيار ومؤشر فرعي ومنهجية التصنيف ومصادر البيانات والمعلومات وآليات تقييم وتصنيف الجامعات بناءً على تلك المعايير. إنّ هذه الاختلافات الجوهرية تؤثّر وبشكل مباشر على مصداقية وشفافية وسمعة التصنيف العالمي. فعلى الرغم من عدم وجود تصنيف مثالي ومتفق عليه بين خبراء تصنيف الجامعات، ألا أنّ هذه التصنيفات لها أثر كبير على تقييم أداء الجامعات وسمعتها وقدرتها على استقطاب أعضاء هيئة تدريس مميّزين وطلبة ذات مستوى عالي وتسهيل قدرتها على خلق شراكات مع الصناعة والمؤسسات البحثية المرموقة ومراكز الاعمال المميزة.
فالسؤال المهم في هذا المضمار، أي من هذه التصنيفات أفضل من حيث السمعة والشهرة والمصداقية وقادر على تقييم الأداء فعلياً؟ في الواقع لا يُوجد إجابة مثالية على هذا التساؤل نظراً لوجود عدّة آراء حول هذه التصنيفات وتم انتقاد كل منها من قبل خبراء وجامعات عريقة وأكاديميين مشهود لهم على مستوى دولي. أضف الى ذلك، فإن كل تصنيف له فلسفته ومنهجيته ومبرراته وآليه عمله. إنّ مقارنة موضوعيّة بين فلسفة ومعايير وأوزان ومنهجيات تصنيفي (التايمز وكيوأس) تُبيّن أنّ تصنيف التايمز يتمتع بعدد من المزايا التي تتفوّق فيها على تصنيف كيوأس وقد تمنحه أفضلية في مجال تصنيف الجامعات عالمياً من حيث مصداقيّة وشفافيّة وسمعة التصنيف. لذلك، فإن أفضلية تصنيف التايمز على تصنيف كيوأس العالمي تعود للأسباب التالية:
1. معايير التصنيف: يعتمد تصنيف التايمز على خمسة معايير رئيسية تشمل ثلاثة عشر مؤشراً فرعياً متنوعاً وقابلاً للقياس والمقارنة بطريقة موضوعية، بينما يعتمد تصنيف كيوأس على ستة معايير إجمالية دون الإشارة الى مؤشرات وأوزان فرعية. لذلك، فان مستويات الدقة والمجالات التي يشملها تصنيف التايمز أعلى نسبياً من نظيرتها المعتمدة في تصنيف كيوأس.
2. بيئة التعليم الجامعي: يعتمد تصنيف التايمز على خمسة مؤشرات فرعية لتقييم بيئة التعليم الجامعي حيث يمثل وزن هذا المعيار (30%) من مجموع مؤشرات تصنيف التايمز، بينما يعتمد تصنيف كيوأس على معيار إجمالي واحد لتقييم بيئة العمل الجامعي ويمثل وزنه (40%) من مجموع مؤشرات تصنيف كيوأس. المشكلة الجوهرية في هذا المعيار في تصنيف كيوأس تتمثل في الوزن المرتفع (40%) للمعيار واعتماده بالكامل على الدراسة المسحية (استطلاعات الرأي) الأكاديمية (Academic Survey) والتي تم انتقادها بشكل مُتكرّر خلال اخر عشر سنوات نظراً لوجود مشاكل جوهرية في منهجيتها (Fundamental Methodological Flaws) ودقة بياناتها واللجوء لشراء قوائم البريد الالكتروني للمشاركين في الدراسة الاستطلاعية.
3. البحث العلمي: يعتمد تصنيف التايمز على ثلاثة مؤشرات فرعية لتقييم البحث العلمي بوزن اجمالي (30%) من مجموع مؤشرات التصنيف، بينما يمثل هذا المعيار (20%) فقط من مؤشرات التصنيف لدى كيوأس دون وجود مؤشرات فرعية محددة بدقة. مرة أخرى، قد يكون الأمر يتعلق بفلسفة كل تصنيف ولكن من الواضح أنّ معيار البحث العلمي لتصنيف التايمز يتمتّع بدرجة دقة اعلى من نظيره في كيوأس ويعكس جودة البحث العلمي في التصنيف مما يؤشر على درجة أعلى من الموضوعية لدى تصنيف تايمز وفقاً لمعيار البحث العلمي.
4. وفقاً لتصنيف كيوأس، 50% من معايير التصنيف تعتمد على إجراء مسح (أستطلاع الرأي) الأكاديمي ولمؤسسات الأعمال على حدِ سواء (Surveys Academic and Employer) وبأحجام عينات كبيرة لكن هذه المنهجية تم انتقادها بشدة على الرغم من محاولات كيوأس من تقريبها لمنحنى التوزيع الطبيعي (Normalisation)، بينما لا يعاني تصنيف التايمز من هذه المشكلة بنفس المستوى كون الدراسة المسحية (إستطلاع الرأي) للسمعة الاكاديمية والبحثية للتعليم الجامعي لا يتجاوز (33%) من مجموع معايير واوزان هذا التصنيف. وعليه، فإنّ تصنيف التايمز يعتبر اقل تحيزاً من تصنيف كيوأس. لذلك، فان اعتماد (50%) من معايير تصنيف كيوأس على نتائج استطلاعات الرأي للأكاديميين وأصحاب مؤسسات الأعمال يقلل نسبياً من مستوى الشفافية والاعتمادية لهذه المعايير نظراً لمشكلات منهجية واحصائية جوهرية تعاني منها استطلاعات الرأي.
5. تدقيق وتأكيد جودة منهجية تصنيف الجامعات: تعمل مؤسسة تصنيف التايمز على توظيف مؤسسة مهنية عالمية عالية المستوى (PricewaterhouseCoopers LLP UK “PwC”) لأغراض التدقيق المُستقل وتأكيد الجودة على عملية وإجراءات ومنهجية وتقرير تصنيف الجامعات عالمياً بهدف إضفاء مزيداً من الشفافية والمصداقية وفقاً لمعايير تصنيف التايمز، بينما التصنيفات العالمية الأخرى لا تخضع لمثل هذا التدقيق المٌستقل. لذلك، فإن التدقيق المُستقل وتأكيد الجودة من قبل جهة دولية مٌستقلة على منهجية تصنيف الجامعات وفقاً لتصنيف التايمز يُقدم دليلاً قوياً على مستوى أعلى من الشفافية والموضوعية والمصداقية للتصنيف مقارنةً بالتصنيفات الاخرى.
إستناداً الى التحليل أعلاه فإن تصنيف التايمز العالمي يعكس دقة عالية وخصوصاً من حيث المعايير والمنهجية المستخدمة في تصنيف الجامعات عالمياً. فمعايير هذا التصنيف لا بدّ ان تٌشكل حافزاً مهماً لجامعاتنا الوطنية لحجز مقاعدها في نادي الجامعات العالمية والانتقال للمنافسة النوعية بدلاً من الكمية وفقاً لمتطلبات العصر. كما تٌشير نتائج تصنيف التايمز لهذا العام أن ثلاثة جامعات وطنية فقط تم تصنيفها من ضمن أول الف جامعة على مستوى العالم. فقد تم تصنيف جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية من ضمن فئة (401-500) جامعة في العالم والأولى محلياً، وجامعة البلقاء التطبيقية من ضمن فئة (601-800) جامعة في العالم والثانية محلياً، والجامعة الاردنية من ضمن فئة (801-1000) جامعة في العالم والثالتة محلياً. دخول هذه الجامعات الوطنية نادي التصنيفات العالمية يؤشّر وبوضوح على وجود إمكانيات وقدرات قدّ تُمكنها من التقدّم أكثر عالمياً وتحقيق مزيدٍ من النجاحات ويُشكّل حافزاً قوياً لبقية الجامعات الوطنية لاتباع نفس النهج. وتجدر الإشارة الى أن دخول جامعة البلقاء التطبيقية لنادي التصنيفات العالمية، وخصوصاً تصنيف التايمز، والتقدّم سريعاً وفي وقت قياسي يعتبر قصة نجاح فريدة ويؤشر على وجود أنموذج (Model) جامعي يٌمكن بحثه ومحاكاتة للاستفادة من هذه التجربة الفريدة من خلال دراستها بعمق لمعرفة مقومات وأسس دخول نادي التصنيفات العالميّ.
لذلك، هل نرى خُططاً إستراتيجية مُحكّمة للإرتقاء بجامعاتنا الوطنية الأخرى للوصول الى التصنيفات العالمية خدمةً للأردن والأجيال القادمة؟ أترك قادمات الأيام للإجابة على هذا التساؤل!