يفصلنا أقل من شهرين عن انتخابات مجلس النواب التاسع عشر. المؤكد أننا سائرون نحو الانتخابات؛ فالتوجيه الملكي للهيئة المستقلة حسم الامر في اللقاء الذي جرى يوم الثلاثاء الماضي عبر تقنية الاتصال المرئي. الانتخابات ستجري في ظروف استثنائية نعم، ولكن الأردن كان دائما برغم الظروف المحيطة يجريها لالتزامه بإنفاذ الاستحقاق الدستوري. وهذا يعني اننا نسير بالاتجاه الصحيح.
بالرغم من الظروف الاستثنائية التي فرضتها كورونا على حياتنا إلا أن الملاحظ هو الإقبال الكبير على الترشح. صحيح أن هذه تبقى مجرد رغبات والمعيار النهائي هو تشكيل القائمة واعتمادها في الفترة المحددة كما أعلنتها الهيئة وهي أيام 6 و7 و8 /10 / 2020.
بحسب آخر دراسة صدرت عن مركز الحياة-راصد؛ تبين أن عدد الذين ينوون الترشح حوالي 1398 مرشحا من بينهم 103 برلمانيين وبرلمانيات من المجلس الحالي. ربما يزيد هذا الرقم خلال الأيام المقبلة. بالمقارنة مع انتخابات عام 2016 هناك فرق واضح، إذ تقدم لانتخابات المجلس الثامن عشر 1252 مرشحاً من خلال 226 قائمة.
ربما يكون سبب هذه الاندفاعة في الترشح للمقعد النيابي تعليمات الهيئة المستقلة التي فرضتها جائحة كورونا والتي تمنع التجمعات إلا بحدود ضيقة جداً ودون تقديم الولائم وأصناف الضيافة المعهودة واقتصار التكلفة على رسوم الترشيح والإعلان مما يعني أن التكلفة المساندة للعملية الانتخابية وهي التي كانت تحول دون إقدام كُثر على الترشح لم تعد موجودة. فقد كانت هناك حملات انتخابية تصل تكلفتها الى مئات آلاف الدنانير وربما لملايين.
اسهمت شروطُ الترشح التي تعطي الحق لمن أكمل ثلاثين عاماً بحلول يوم الاقتراع شريطة ألا يكون محكوماً بجناية تزيد عقوبتها على سنة وألا يكون محكوما عليه بالإفلاس وغياب شرط المؤهل العلمي في زيادة أعداد الراغبين بالترشح. وهي مفارقة غريبة فمن يضمن ألا يتسرب للمجلس المناط به مهمة التشريع والرقابة أشخاص غير مؤهلين. وسبق أن وصل من لا يحمل أدنى مؤهل، وهذا أمر إشكالي في القانون.
بينما تتسم مشاركة الأحزاب السياسية هذا العام بعدم الوضوح حتى هذا التاريخ، فإن ما يتسيد هو الإجماعات العشائرية والمناطقية على امتداد البلاد بما فيها العاصمة والمدن الرئيسية. صحيح أن هذه الظاهرة ليست جديدة، فالعشيرة مكون اجتماعي مهم ومؤثر، ولكنها هذا العام مختلفة من ناحية زخم الترشح باسم العشائر والعائلات مما أدى لصعوبة تشكيل القوائم للخوف من خديعة “الحشوات”، ناهيك عن غياب البرامج الانتخابية إذ ليست هذه مرجعية أو ذات تأثير لدى الناخبين.
الهيئة المستقلة للانتخابات حسمت أمرها بأنها لن تتوقف عند نسبة المشاركة مهما بلغت. وهذا مؤشر الى أن ثمة تقدير موقف مسبق لديها من تراجع النسبة هذا العام بشكل كبير. فاذا كانت النسبة في انتخابات عام 2016 لم تتجاوز 34 %، حيث شارك مليون ونصف المليون ناخب من أصل أربعة ملايين ومائة وأربعة وثلاثين ألف ناخب، المؤكد أن النسبة ستتراجع بفعل قلق الناس من الوباء وخاصة تلك الفئة المترددة تاريخياً في المشاركة حتى في الظروف المثالية.
الرهان واضح على مشاركة المحافظات التي تحكمها الانتماءات القبلية والعشائرية، فهي التي سترفع نسبة المشاركة فقط، ليس رغبة في ممارسة الحق الديمقراطي بل لغايات المحافظة على التمثيل.
هي انتخابات استثنائية بكل شيء: التوقيت، الظرف الوبائي، المرشحون وعلى الأرجح نسبة المشاركة. ولكنها استحقاق اساسي ودلالة صحية على حيوية الدولة والمجتمع بمعزل عن الرهان على مخرجات برلمانية مختلفة، فنظرة معظمنا للعمل النيابي لا تتجاوز فكرة التمثيل فقط.
(الغد)