فارس سليمان النابلسي، تخونني الكلمات في رثائك، أنت الذي كنت بمثابة الأب والسند والمعلّم والصديق والمثل الأعلى منذ نعومة أظفاري.
في كل لحظات أتذكرها في حياتي، أكانت لحظة فرح أو شدّة، أراك واقفًا إلى جانبي. أسترجع ذكريات الطفولة الجميلة، عندما كنت وأخي عمّار نقضي الصيف بأكمله مع جدّي وجدتي في حسبان، فأتذكرك معنا، صديقًا قبل أن تكون خالًا. أنت أول من علّمني ركوب الخيل، وأنت من هبّ لصنع ملعب كرة قدم لنا بطلب من جدّي.
كبرنا قليلًا فصرت تصطحبنا إلى ستاد عمّان الدولي وتوصينا بتشجيع الفيصلي قائلًا "جدّكم من مؤسسيه الأوائل".
أنت مدرستي الأولى في علاقة الأخوة التي كبرتُ عليها بينك وأمي، شقيقة روحك؛ بينكما رابط مقدّس لا يمكن أن تتمكّن منه أية قوة في العالم.
كنت أسعى دائمًا للبقاء قربك، ولذا كنت أنت وراء اختياري دراسة الحقوق في الجامعة، حتى أعمل معك، وفعلًا بقيت ملازمًا لك منذ تخرّجي عام ١٩٨٩ وحتى بداية تقاعدك بسبب المرض عام ٢٠١٦. عملت في حملتك الانتخابية في الانتخابات البرلمانية عام ١٩٨٩، وشهدت حماسك لعودة الحياة الديمقراطية إلى الأردن بعد طول انقطاع. كنت مفعمًا بالأمل بالتغيير والتقدم، تحمل على كتفيك إرث والدك وقناعة متجذرة بمبادئ الحرية والعدالة والعروبة.
طيلة ٢٧ عامًا لم يمر يوم لم أرك فيه ولم أشهد فيه مدى حب الناس لك. صالونك الصباحي اليومي، كما وصفه الصديق مروان زريقات، على مدار سنوات طويلة ظل يجمع وزراء ونوّاب ورجال أعمال ومهنيين ونقابيين وإعلاميين ومناضلين، قد يختلفون في كل شيء، لكنك أنت القاسم المشترك الذي يجمعهم، كل من يعرفك يعرف حبّك لهذا الوطن وإيمانك به. كنت في جلساتك ذا حضور ذهني متقد وقدرة على السخرية اللاذعة. أجدني أقلّد كثيرًا من تعابيرك المحببة في علاقتي مع أصدقائي، وهم يعرفون من هو أصل الحكاية، فمثلًا كنت إذا أردت أن تعاتب أحدًا على غيابه فترة طويلة تقول له "ابعتلنا صورتك"، أو إذا ما أردت تخصيص شخص ما بمحبة تقول "صديقي الشرعي والوحيد".
أذكر عندما مررت وزوجتي بظرف صحي صعب عام ٢٠٠٥، كنت أنت أول من عرف بالموضوع وأتيت مباشرة إلى منزل والدتي، ووجدت نفسي من شدّة تأثرك وخوفك ودموعك أحاول أنا أن أخفف عنك. لم يقف معي أحد في حياتي مثلما وقفت أنت، في لحظات الفرح ولحظات الشدة، كنت أشعر بالأمان لوجودك، حتى في فترات مرضك، لأنك مظلة ومعطف دافئ لكل من تحبهم، وما أكثرهم.
أدرك كل يومٍ كم أنا محظوظ لوجودك في حياتي. سوف لن تفارقني أبدًا وأتمنى أن أكون قادرًا على حمل أمانة ذكراك وكل ما تعلّمته منك.
رحمك الله يا خالي، من كان مثلك قد يفارق بالجسد لكن روحك حاضرة معنا دومًا.