من حق الاردنيين ان يجتهدوا في قانون الانتخابات الذي يجرى الاعداد له تمهيدا لاجراء الانتخابات النيابية في نهاية العام. لان التغيير والاصلاح السياسي مطلب عام يتفق على اهميته من في الحكم ومن في الشارع. ولانه بوابة التغيير الاساسية في جميع الدول.
اذا كانت هذه الاجتهادات تنطلق من قواعد الدستور وآراء وافكار يتداولها الرأي العام فهي مفهومة, بل ومشروعة, وكنت قد طالبت من هذه الزاوية في اكثر من مقالة بضرورة اشراك اوسع عدد من ممثلي المجتمع في الحوار والاجتهاد في قانون الانتخابات. فالجميع في النهاية يريدون رؤية برلمان قوي فاعل يمثل الشعب. قادر على القيام بواجباته في الرقابة والمحاسبة والتشريع بامانة ونزاهة والتزام وطني خدمة للمجموع لا خدمة للنائب ومصالحه.
غير ان ما يستوقفني في بعض ما يدور من حوارات حول قانون الانتخابات وما يصدر من دعوات. هو هذا (الولع) عند بعض الجهات باعتماد المرجعيات العالمية في مواضيع حقوق الانسان والحريات العامة ودفعها بلا مبررات الى المقدمة ووضعها حجة على الدولة والحكومة من اجل قانون انتخاب عصري, او من اجل تحقيق اوسع مشاركة للمرأة في مجلس النواب المقبل. وكأننا امام سوق عكاظ انتخابي يحاول فيه كل طرف ان يظهر سعة اطلاعه على القوانين والمواثيق المتعلقة بحقوق الانسان وكأن البلد خال من اي تراث دستوري وقانوني.
احد (البروشورات) التي وزعت للدعوة من اجل انتخابات عادلة تضمن الاشارة الى اكثر من (15) مادة في مواثيق دولية تتعلق (بحقوق الانسان) و(التمييز) و(الاقليات).. الخ. وكأن الاردن (بروتوريا البيضاء) قبل ان تتحرر من العنصرية وتتحول الى جنوب افريقيا.
البعض (يُكَبّر حجره) عندما ينشغل بارسال اشارات الى جهات خارجية من باب تحليل ما يحصل عليه من مال من الدول الممولة. وقد يكون ذلك مفهوما في التجارة, لكن ما هو غير مقبول ان تُستغل الحوارات الجارية في البلاد حول اصلاح قانون الانتخابات للايحاء بانه توجد في الاردن قضايا حقوق انسان قائمة على اساس التمييز في العرق والجنس الخ.. لهذا تتم الاستعانة بهذا الكم من مواد الاعلان العالمي ومواثيق حقوق الانسان.
هذه المواد والاعلانات تصلح للتصدير الى اسرائيل صاحبة (الاحتلال الاقدم) في هذا العالم. الدولة العنصرية الطائفية بامتياز. واذا كان المانحون, من الدول الغربية مهتمين بتسويق المواد الخاصة بمكافحة العنصرية والتمييز عبر بعض مكاتب التمويل الخارجي فيما نراهم يقفون عاجزين امام السياسة الاسرائيلية ضد الفلسطينيين في القطاع والضفة والقدس, فان التفسير المقنع هو ان هناك قوى خارجية تريد التدخل في شأن داخلي اردني, من خلال الحوارات (الحرة) السائدة بين اطراف المجتمع حول اصلاح قانون الانتخابات, وذلك لفرض مرجعيات غير الدستور لاغراض سياسية مشبوهة لم تعد خافية على الاردنيين.
الاردن ليس دولة فتية عمرها عقد او ثلاثة عقود. انما نظام سياسي يتميز بالاستمرارية والتطور والتنمية في جميع نواحي الحياة. وللبلاد دستور عمره يقترب من الـ 60 عاما وهو يتضمن المواد الاساسية من الاعلان العالمي لحقوق الانسان وبعد 4 سنوات فقط من تبني الامم المتحدة له.
الاصلاح المطلوب في قانون الانتخاب يجب ان تكون مرجعيته الدستور الاردني واذا كان هناك من نقص او خلل طرأ بسبب التعديلات عليه, عندئذ يكون من صلب مطالب الاصلاح العودة الى الروح الاصيلة لدستور عام 1952 .
taher.odwan@alarabalyawm.net
المقالة عن العرب اليوم لرئيس تحريرها الزميل العداون ..