الانتخابات البرلمانية .. رسوخ وطني وحرص ديمقراطي
د. عدنان سعد الزعبي
16-09-2020 04:02 PM
المتبصر لمسيرة الحياة البرلمانية يدرك تماما ان التعامل مع هذا الاستحقاق الدستوري ثابت من الثوابت الذي يجب ان يعكس الحرص الاكيد وأهمية التعامل الجاد والاستراتيجي الملتزم مع هذا الاستحقاق المعبر عن احترام ارادة الشعب, ومشاركته في صنع القرار السياسي. خاصة ونحن نتحدث عن الهيكل العام لاجراء الانتخابات ومضامين الافرازات ونوعية المنتج الذي يقع ضمن مسؤولية طبيعة قانون الانتخاب وواقع نظرة المواطن تجاه النائب خدميا وعشائريا واعتبارات اخرى.
منذ ان نشأت مسيرة الحياة البرلمانية في المملكة عام 1923م تزامناً مع حصول إمارة شرق الأردن على استقلالها رسمياً من بريطانيا. فقد حرص الاردن على هذا المنجز الوطني وهذا الاستحقاق القانوني للتعبير عن حالة الامن والاستقرار والثقة بالنظام السياسي العام بالدولة وترسيخ قيم المشاركة التي يتحمل فيها الشعب مسؤوليته في اختيار ممثليه, وتعزيز نهج التعاون لخدمة الوطن والمضي فيه.
بعد استقلال إمارة شرق الأردن عن بريطانيا في الخامس والعشرين من اذار عام 1923م، وتوقيع اتفاقية مع الحكومة البريطانية عام 1928م، وضع القانون الأساسي (الدستور) للإمارة، والذي تضمن وضع قانون انتخابي لتنظيم انتخابات المجلس التشريعي، حيث صدر أول قانون انتخابي في 17 حزيران 1928م متضمنا تشكيل مجلس تشريعي تنفيذي مشترك برئاسة رئيس النظار (رئيس الوزراء).
ورغم ضعف صلاحية المجلس التشريعي آنذاك (من الاول 1923- الى الخامس 1946) بعدم صلاحيته بقرار الثقة على الحكومة والاستجواب والموافقة على الاتفاقيات الدولية والامتيازات الخاصة بالشركات, الا ان الممارسة الحقيقية كانت متاحة وكانت الرقابة على أعمال الحكومة وطرح الاسئلة وبحث مشاكل الناس والتشريع تمارس وتحقق النتائج دون ان يكون للنواب حق اقتراح القوانين.
عام 1946 شهد الاردن احداث غيرت من مسيرة الحياة البرلمانية، حيث شهد إعلان تحويل الامارة إلى مملكة كدولة مستقلة ذات سيادة، وإلغاء القانون الأساسي (الدستور) لعام 1928، ووضع دستور جديد ينظم شؤون البلاد، وذلك في عام 1947م ليستمر حتى عام 1952.
فرض قرار تقسيم فلسطين عام 1947م، وما أعقبه من اندلاع حرب عام 1948م، ثم قرار توحيد الضفتين عام 1950م _ ظروفا جديدة تطلبت من المرحوم الملك طلال بن عبدالله الاول ملك الاردن من وضع دستور عام 1952 عرف عنه بأبي الدساتير يتلاءم مع الأوضاع الجديدة، ويتمتع بقواعد عامة وأسس تبشر باعلى مراتب الحرية والديمقراطية وحكم الشعب, وينظم واقع العلاقة بين السلطات ويضمن قواعد الاستقلالية وفق اسس التكاملية والتعاون، واعتبر نقلة نوعية في مسيرة تعزيز المشاركة الشعبية والحياة النيابية في المملكة الأردنية الهاشمية من خلال مجالس تشريعية نيابية منتخبة، واستحدث مجلس الاعيان بعشرة اعضاء (نصف النواب) يختارهم الملك لمدة 8 سنوات يقترع على نصفهم كل 4 سنوات.
وطورت وظائف المجلس النيابي ومنح حق إقرار مشروعات القوانين سواء التي يقترحها أعضاء المجلسين أو التي تقدم إليه من السلطة التنفيذية.., ورقابيا، فقد كان لمجلس النواب حق توجيه الأسئلة، وطلب مناقشة الموضوعات العامة، وتلقي الشكاوى من المواطنين. أما مجلس الأعيان فقد كان يتمتع بصلاحية توجيه الأسئلة وطلب مناقشة المسائل المتعلقة بالإدارة العامة, وأصبح للنواب حق طرح الثقة بالحكومة وتصديق الاتفاقيات صاحبة الامتياز.
ترتب على احتلال الضفة الغربية في عام 1967م خلق فراغ دستوري استمر حتى عام 1978م حين تم تشكيل المجلس الوطني الاستشاري كصيغة جديدة لسد الفراغ الدستوري القائم.
كانت مهمة المجلس الاستشاري هي تقديم الرأي والمشورة للسلطة التنفيذية، والنظر في جميع التشريعات والقوانين التي تسنها الحكومة، ومناقشة السياسة العامة للدولة في إطار التعاون بين الحكومة وبروح المصلحة العامة.
وكانت مدة المجلس سنتين، على أنه كان يحق للملك حل المجلس في أي وقت وأن يعفي أعضاءه أو أي منهم من عضوية المجلس أو يقبل استقالته منه.
وقد تم تعيين ثلاثة مجالس وطنية استشارية خلال هذه الفترة، من نيسان 1978 لكانون الاول 1984.
حرص الملك الراحل الحسين بن طلال على تطوير واقع الوضع السياسي وتحقق الحلم الديمقراطي الأردني، ومسيرة الوطن الاستراتيجية، فسارع بالاعلان عن إعادة الحياة البرلمانية في كانون الثاني 1984م؛ حيث تم دعوة مجلس النواب التاسع إلى الانعقاد في دورة استثنائية، والذي بدوره قام بتعديل الفقرتين الخامسة والسادسة من المادة (73) من الدستور بحيث أصبح من الممكن إجراء الانتخابات النيابية في نصف عدد الدوائر الانتخابية –فقط- في حالة تعذر إجراؤها في كافة الدوائر، على أن يقوم الأعضاء الفائزون باختيار ممثلين للدوائر الأخرى.
وتنفيذاً لهذه التعديلات، فقد عاد المجلس المنحل (المجلس التاسع) إلى الانعقاد في شهر كانون ثاني / 1984 ويمدد له سنتان باسم المجلس العاشر ليصطدم باندلاع احداث عام 1989 والتي فرضت انتخابات جديدة عام 1989، ثم انتخابات 1993، ثم 1997 (الثالث عشر)، ثم 2001 ثم2007، ثم 2010 (السادس عشر) ثم 2013، ثم 2016 (الثامن عشر).
إن اجراء الانتخابات البرلمانية في مواعيدها يؤكد على التزام الاردن بنهج الديمقراطية، باعتبارها اولوية اولى لمستقبل الاردن الذي تماشى مع تطلع الاردن شعبا وقيادة حيث بين الملك في اوراقه النقاشية هذا النهج وهذه المسيرة، باعتبارها استحقاقات دستورية وثابت رئيس من ثوابت مسيرة الوطن التي يجب ترسيخها كقيم راسخة تترجم لعادات سلوكية لا يوقفها اي سبب, وصولا للدولة المدنية (دولة القانون) بترسيخ قواعد وعادات دستورية ثابتة بغض النظر عن الظروف والأحداث وهنا نتحدث ايضا عن الإطار العام والهيكل العام لمسيرة الوطن كما يجب أن تكون بغض النظر عن السلوكيات الممارسة حاليا ومدى قربها او بعدها عن هذا النهج وهذا الحلم؟!. اطمأن الملك على اجراءات الانتخابات بتواصله مع الهيئة المستقلة للانتخابات وتذكير هذه السلطة للتهيء لأي احتمال طارئ بما يضمن سلامة المواطنين وتنفيذ خطوات اجراء الانتخابات حيث لم يتحدث الملك عن التفاصيل بمقدار الأطر العامة لبيان رسوخ مفهوم الانتخابات بموعدها الدستوري كبديهية في السياسة الاردنية.
فمرحى لهذا الرسوخ الوطني والحرص على الديمقراطية وتعزيز هذه التجربة علنا نصل للمطلوب, ونعمق مفهوم الاختيار الامثل ولما فيه صالح الوطن.