العودة الى "التعليم عن بعد" الخيار الحتمي
فيصل تايه
15-09-2020 08:31 AM
مثلما اجتاح وباء كورونا المستجد "كوفيد ١٩" حواجز الزمان والمكان ، ومع ما نشهده هذه الايام من تسارع غير مسبوق في وتيرة اتتشار الوباء ، وفي إطار التدابير الاحترازية التي يجب ان تتخذ للحد من العدوى وانتشار لهذا الوباء "اللعين" خاصة اذا ما تعلق الأمر بابنائنا الاطفال في رياض الأطفال وابنائنا الطلبة في المدارس والمؤسسات التعليمية المختلفة والمؤسسات الجامعية الحكومية والخاصة والتعليم العالي ، جاءت الدعوات من جديد للعودة "للتعلم عن بعد" –التي صاحبت انتشار الفيروس- لتجتاح مرة أخرى حواجز المكان والزمان.
هذا الاجتياح المكاني القصري المتكرر يجعل من فرضية امكانية غياب الحواجز المكانية الثابتة مثارًا للارتقاء من جديد إلى عوالم التعلم الرقمي عن طريق العودة الحتمية الى شبكات الإنترنت الفسيحة ومنصات التعلم المختلفة ، وباجتياح زماني امتلك أدوات التخلص من روتين الذهاب والإياب ومزاحمة الآخرين بحثًا عن سرعة الوصول إلى حيز مكاني ربما كان أضيق مما تحتمله رحابة العقول ، ما يزيد من التخوفات من خصوبة البيئة المكانية التي يمكن ان تزيد من فرص انتشار الوباء ، خاصة داخل الغرف الصفية ، مما يجعل الاسر الاردنية تسودها حالة من الشك والتردد بعد تطور الاحداث وتسارعها ، فمن حقهم ان تكون الكرة في مرماهم لاختيار شكل التمدرس الذي سيختارون لأبنائهم في ظل الارتفاع الصاروخي لحالات الاصابة بكوفيد ١٩ وتوسع رقعتها بما ينذر بموجات متتاليه للجائحة قد تكون أكثر قسوة .
في مثل هذه الظروف الاستثنائية فان الواقع يفرض نفسه ، ولا بد من التفكير خارج الصندوق والعمل بمبدأ رب ضارة نافعة ، فليس من الضروري أن نضيق ذرعاً ونلزم الاهالي بخيار مر ، ففي الظروف الحالية فان المسؤولية ستعود الى ولي الامر بالدرجه الاولى ، والأمر لا يتعلق بتاتا بامكانية إقرار عطلة مدرسية استثنائية استرخائية ، فكان من الضرورة بمكان اتخاذ قرار فوري للتحول للتعليم عن بعد ، ليأتي ذلك كإجراء وقائي يسعى إلى حماية صحة ابنائنا الطلبة وكذا الأطر الإدارية والتربوية العاملة بهذه المؤسسات ، تجنباً لتفشي فيروس "كورونا" - لا قدر الله - بصورة مطردة ، لذلك وضمن الاجراءات لمواجهة هذا الوضع الاستثنائي ، على وزارة التربية والتعليم بأطرها التربوية والإدارية المختلفة بعد ان تجهزت لكل الاحتمالات واستعدت جيدا لمثل هذه الظروف المبادرة بالعودة للانخراط بشكل فعال ومكثف في جميع التدابير التي لا بد من اتخاذها من أجل ضمان الاستمرارية البيداغوجية عن طريق كل ما تم تجهيزه من موارد رقمية وسمعية وبصرية لتوفير التعليم عن بعد ، بغية تمكين الطلبة من الاستمرار في التحصيل الدراسي مع ضرورة تواصل الوزارة المستمر للعمل على اطلاع أسرة التربية والطلبة وأولياء امورهم ، بكافة المستجدات المتعلقة بهذه الظرفية الاستثنائية عبر جميع القنوات المتوفرة لديها ، وذلك بالتواصل الإلكتروني مع الطلبة لمتابعة المناهج الدراسية وإنقاذ العام الدراسي ، وفقا وتبعاً لخطة الطوارئ والأزمات الوطنية على مستوى وزارة التربية لمحاكاة مجتمع تربوي متنوع وضمان التعلم للجميع من كل الطبقات والمناطق .
ان وزارة التربية والتعليم وضمن استعداداتها ستكون قادرة على إبداع أشكال جديدة من التعلم تتجاوز كراسي المدارس ، وتكون مخرجاتها بقوة التعليم النظامي والذي يتمثل من خلال التعليم عن بعد وبطريقة تفاعلية جديدة حيث ان هذا النوع من التعليم بشكله التفاعلي الجديد ، سيجعل الطفل يتعلم في بيئة حرة بدون أي ضغوط أو تنمر أو عنف مع سلامة صحية وبدنية ونفسية وعاطفية مضمونة نسبيا مع والديه وثقة عالية في النفس ، فلن يرغم على الجلوس يوميا عدة ساعات في الصف مع طلاب مختلفين عنه اجتماعيا ونمائيا دون أن يكون عرضة لملاحظات المعلمين اليومية ، ومع تقصير وصغر الزمن التعليمي الحقيقي الذي سيستفيد منه فعليا ، والذي يتقاسمه مع أقرانه المتفاوتين عنه في سرعة إيقاع التعلم والاهتمامات ، وبذلك سيتمكن الطالب في وقت وجيز وتحت إشراف أحد والديه أو كليهما أو من يختارانه ليدرسه في المنزل "تعلم ما يريد في الوقت الذي يريد" ووفق إيقاعه الخاص وبالطرائق التعليمية المناسبة له والوسائل التعليمية المتاحة ، ومن المؤكد أنه سيتعلم أشياء جديدة بسرعة كبيرة ويكتشف مسارات ومهارت تعليمية مبتكرة بمساعدة والديه الذين هما شركين اساسين في عمليتي التعليم والتعلم وباستخدام وسائط الاتصال ومنصات التعلم أو باستشارات وطلب العون من معلمه عبر وسائل الاتصال المتاحة .
اننا على يقين ان الايام القادمة ستبين الجاهزية التكنولوجية العالية والمتطورة لبرامج وكوادر المنظومة الرقمية التربوية في وزارة التربية والتعليم وشركائها ، سيما بعد تفعيل الموارد الرقمية الصوتية والبصرية الجاهزة للمناهج والبدء باعتماد المنصات التعليمية ، أضافة لتفعيل «القنوات التلفزيونيه التربوية » والتي ستقوم بدورها على اكمل وجه ، وستكون التجربة مشجعة وافضل بكثير من سابقتها ، وستظهر أن التعليم عن بعد سيحقق الإنتاجية المطلوبة ، خاصة وان الوزارة استحدثت ثلاث منصات " لدرسك " حيث إمكانية استخدام التطبيقات التي تساعد على شرح دروس تفاعلية بمساعدة خبرات الشركاء في تكنولوجيا المعلومات التي استفادت من برامجها التربوية في اطلاق مبادرات فريدة من نوعها للتعامل والمساهمة على إنشاء نظام الكتروني محوسب للتعليم عن بُعد خاصة منصة "درسك ٢" .
واخيرا .. فانا اعتقد ان العودة الى خيار التعليم عن بعد يجب اعتباره خيارا استراتيجيا ليس فقط من باب الاستعداد لأزمة كورونا، بل لأن له من المميزات ما يجعله دافعا قويا للنظام التعليمي في ظل ظروف تعليمية طبيعية ورافدا من روافد التنمية المستدامة ، فطلاب القرن الحادي والعشرين يمكنهم التعامل بشكل فعال مع الوسائل التكنولوجية حيث يمكن استغلال هذا الارتباط لتطوير مهارات الطلبة الدراسية والعملية بشكل فعال وأقل كلفة، كما أن للتدريس عن بعد مميزات ترتبط بالقدرة على مشاركة التجارب الناجحة لمؤسسة ما أو أستاذ معين على الصعيد الوطني .
بقي ان أقول ان من أهم الأمور التي يجب ان تؤخذ هي ضرورة تغيير الصورة النمطية للتعليم والمترسخة في عقول كثير من أولياء الأمور والمسؤولين ، من خلال تغيير البنية الثقافية المرتبطة بطرق التدريس ووسائله بل وحتى مناهج وبرامج التدريس ، فالجميع شريك في هذا والجميع سيقطف ثمار نجاحه أو فشله .
والله ولي التوفيق