افاق للدبلوماسية في عصر البيانات الضخمة
د. بهاء الدين الخصاونة
14-09-2020 08:53 PM
ان حجم البيانات التي يتم انتاجها يوميا من جراء الإستخدام المتزايد والغير مسبوق للإنترنت وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي قد فاقت القدرة التخزينية والطبيعية للانسان على متابعتها وتحليلها والاستفادة منها ناهيك عن حفظها واسترجاعها . وكون هذه البيانات الضخمة تحوي بين ثناياها معلومات هائلة وترابطات بين الاشخاص والاحداث والاماكن والمعتقدات والتوجهات والتي هي على درجة عالية من الأهمية للأشخاص والمؤسسات والدول اذا ما تم تحليلها واستنتاجها واستنباط ما هو مخفي داخلها بطرق علمية. فمن يملك هذه القدرة ستكون له الاسبقية في استثمار هذه المعلومات للتخطيط والتنمية وادارة المعرفة ورسم السياسات والمرونة في التعامل مع المتغيرات الدولية والمحلية بل توقع حدوثها كونها مبنية على معلومات علمية رصينة وعلى درجة عالية من الموثوقية.
ان التعامل الايجابي مع البيانات الضخمة وتبني استخدامها كونها من اهم ركائز الثورة الصناعية الرابعة, سيتفتح افاق رحبة للمعرفة وتوظيفها مما يساعد في الاستغلال الأمثل للموارد في كافة المجالات الأنسانية والعملية والتجارية والصناعية وحتى في العلاقات الدبلوماسية بين الدول.
ففي تقرير لوزارة الخارجية الفنلندية نشر مؤخرا حول تأثير البيانات الضخمة على الدبلوماسية والعمل الدبلوماسي, فقد وضح التقرير الأثار الإيجابية والتحديات في تبني هذه التكنولوجيا والاستفادة من الفرص التي تقدمها هذه البيانات للأشخاص والمؤسسات التي تعنى بالعمل الدبلوماسي. فقد بين التقرير ان رفع الوعي حول الفرص التي توفرها البيانات الضخمة وخاصة في المجال الدباوماسي لهو على درجة عالية من الأهمية ويمكن الدبلوماسيين من القيام بمهامهم على اسس علمية حيث تتيح لهم معرفة اوضاع الدول التي يخدمون بها وتحليل بنيتها الأجتماعية والسياسية والإقتصادية ومتابعة المتغيرات اليومية وتأثيرها الداخلي والخارجي مما يمكن الدبلوماسيين من استغلال ذلك للمصلحة الوطنية.
من هنا يأتي مبدأ دبلوماسية البيانات والتي تعتمد على ما يتم انتاجه الكترونياً وعن طريق الإنترنت سواء ما تنشره الدول من اخبار ومواقف ومعلومات او ما يتم الحصول عليه من الدراسات اوما يتم تداوله عبر منصات التواصل الأجتماعي. فجميع هذه البيانات وترابطاتها تساهم مساهمة فاعلة في فهم العلاقات الدولية او الثنائية بين الدول وفهم اكبر للسياسة الداخلية لتلك الدول وللتنقاضات الاجتماعية ومحاولة استغلالها. وهذا يعطي للعمل الدبلوماسي فعالية وشمولية وتأثير اكبر كما توفر امكانيات اقوى في فض النزاعات وادارة المفاوضات الدولية وخاصة تلك المتعلقة بالمعلومات والتعاملات المالية والتجارة الالكترونية والامن السيبراني الذي يعد الان من اكبر التحديات في عصر المعرفة. كما يمكن الاستفادة منها في تغيير البيئة التفاوضية والتي تعمل من خلالها الدبلوماسية وتساعد في تحويل المواقف الجيوسياسية والجيوأقتصادية او التأثير على المواقف الشعبية حيال المواضيع المهمة واستغلالها في حشد التأييد الشعبي وخاصة في الدول الديموقراطية والتأثير على صانعي القرارات.
ان عصر البيانات الذي نعيشه وهذه الثورة المعرفية الرقمية الكبرى وبرغم جميع التحديات التي تواجه الكثيرون في متابعتها واستغلال فوائدها, فهي تمثل فرصاً هائلة للتطويروالاستفادة في تحسين حياة الإنسان وفتح افاق اقتصادية ومالية عديدة للتقدم ...وللدبلوماسية نصيب في ذلك وهذه فرصة للدول الصغيرة لزيادة فاعليتها دبلوماسياً والاستفادة من وفرة المعلومات في هذا الفضاء المعرفي الرحب وان يتم بناء المواقف والعلاقات الدبلوماسية استناداً للمعلومات المستقاة من هذه البيانات...