ويبقى المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي هو أداة التحدي القومي الأول للعرب، كل العرب. ويبقى الاحتلال الاسرائيلي هو أداة القلق الأول لكل الأردنيين على مختلف مواقعهم ومواقفهم وقناعاتهم، تلك هي الخلاصة التي وصلنا اليها بعد 40 حزيران أسود، لم نرى فيهم سوى الخذلان والتراجع والانحسار والفقر والتبعية.ثمة أضواء خافتة من التقدم ونكران الذات والبسالة والعمران، ولكنها ذوت أمام ضربات موجعة سببها هزيمة اليسار بهزيمة الشيوعية والاشتراكية والاتحاد السوفييتي، وفقدت قيمتها بفشل التيار القومي الذي خلفته تجارب ونكسات عبد الناصر وحافظ الأسد وصدام حسين، ولم تتطور بسبب غياب الديمقراطية وتداول السلطة وصناديق الاقتراع، عن العالم العربي ونظامه وفلسفة الحكم فيه وتقاليده التراكمية.
وحده التيار الأصولي نما وكبر على حساب اليسار والقومية والديمقراطية لأنه كان حليفاً للولايات المتحدة الاميركية طوال الحرب الباردة في مواجهة تياري اليسار والقومية، في العالم العربي والعالم الاسلامي، فانتصر وشاع وتتعزز دوره لأنه جنى ثمار نتائج الحرب الباردة، فقد كان حليفاً للمنتصر الاميركي وكان خصماً وعدواً لدوداً لتياري اليسار والقومية، ولذلك نشهد اليوم إنحساراً لفصائل العمل اليساري وتلاشيه، ونشهد تراجعاً لفصائل العمل القومي وضموره في مقابل صعود مظاهر فتح الاسلام وجيش الاسلام والقاعدة وجماعات الاخوان المسلمين وغيرهم من أدوات ومظاهر التيار الأصولي الذين تعزز نفوذهم في حقبة الحرب الباردة وإنحيازهم للمعسكر الاميركي في مواجهة تياري القومية واليسار.
الولايات المتحدة دولة عملية براجماتية تحالفاتها مصلحية غير مبدئية، فقد تحالفت مع الشيوعية في الحرب العالمية الثانية لمواجهة بلدان المحور المانيا وايطاليا واليابان، ولما انتصر التحالف الاميركي السوفييتي في الحرب الثانية، تحالفت مع التيار الاصولي بكل تلاوينه وأطيافه وأحزابه وجماعاته وأنظمته لمحاربة السوفييت والمعسكر الاشتراكي، حتى إنتصرت في سباق التسلح والمباراة الاقتصادية والمعركة الايديولوجية وحرب أفغانستان، وكان ذلك حصيلة الحرب الباردة الذي كان عنوانها انتصار واشنطن والتيار الاصولي على حساب اليسار والشيوعية وعلى حساب التيار القومي وتطلعاته الاستقلالية.
في بداية التسعينات من القرن الماضي وعلى أثر هزيمة الشيوعية واليسار في الحرب الباردة والكوارث التي خلفها فشل التيار القومي بدأ المد الاصولي يكبر ويتعزز دوره بعد أن فك تحالفه مع الولايات المتحدة الذي استمر طوال مرحلة الحرب الباردة وانفك اسامة بن لادن عن البرنامج الاميركي بعد أن قاتلا معاً وسوية في أفغانستان، وأصبحا في المواجهة مباشرة ضد بعضهما البعض.
سيتواصل التيار الأصولي ويأخذ دوره كاملاً في مساق الحياة فهو لن يتوقف بقرار أميركي ولن ينتهي كالتيار الكهربائي بكبسة زر، فيجب إختباره في دورة الحياة ليثبت مدى ملائمته للحاجة الانسانية أو من عدمها، وهذا يحتاج للوقت، فالفشل في أفغانستان والاخفاق في السودان، غير كافيين لإثبات درجة فشلهما أو نجاحهما.
وسواء هزم اليسار أو فشل التيار القومي أو تم تغييب التيار الديمقراطي تبقى تحديات العصر قائمة أمام العرب متمثلة بقوة المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي وتمدده وتفوقه العسكري والاستخباري والتكنولوجي والسياسي والاقتصادي وتداعيات ذلك على الأولويات وتفوقه هو أداة القلق الاولى لكل الأردنيين، لأن مشروع التمدد الاسرائيلي في حزيران 1967 تم على حساب بلادنا وأرضنا ونظامنا، فالمنطقة المحتلة في حزيران 1967 كانت جزءاً من المملكة الأردنية الهاشمية آنذاك، ولا زالت ترزح تحت نير الاحتلال وجبروته وقسوته قد جعلت تلك الأرض طارده لأهلها وأصحابها وشعبها من الفلسطينيين.
تلك هي المعادلة وذلك هو المشهد الحزيراني البشع، والله مع الصابرين.