يلخط كثيرون بين الخصوصيات السياسية العابرة سواء كان عمرها سنوات قليلة او عقودا تناهز القرن او تقل عنه, وبين الهويات التي تحتاج لعدة قرون حتى تتشكل وتأخذ ملامحها من مكونات اساسية, ثقافية ولغوية واجتماعية وسيكولوجيا..
وفيما تتشكل الخصوصيات على ايقاع الصراعات الاقليمية والدولية الخارجية وتغلب عليها سيكولوجيا الكراهية والعصاب المريض ضد الاخر, فان الهويات تتشكل في خضم التحولات الاجتماعية الداخلية للامم والجماعات القومية, ذلك ان الجماعات الصغيرة ما قبل الرأسمالية او التي اعتقدت انها استقلت لحاجات الاستعمار الاوروبي, غير مؤهلة موضوعياً للتحول الى مجتمعات مدنية نأجزة فتقوم بتعويض ذلك بتحويل خصوصياتها السياسية الخارجية الى هويات مزورة قائمة على التوتر الدائم والكراهية, بعكس الجامعات القومية الكبيرة التي تقوم علاقاتها مع الاخر على قانون الاختلاف وفن ادارة الصراع وليس على الكراهية والاحتقانات الاقليمية والطائفية او الجهوية..
وبهذا المعنى, فالهوية ليست رغبة او اقحامات ايديولوجية, بل حالة موضوعية مرتبطة بجماعات قومية قادرة على صهر عناصرها البدائية, الطائفية والعشائرية في بوتقه مجتمع مدني معاصر, وهو ما يحتاج الى طريقين: اما دولة السوق القومي الرأسمالي كما حدث في اوروبا, واما ايديولوجيات كبرى مثل القومية او الاشتراكية او الدين.
واذا حاولنا قراءة ما سبق فيما يخص العرب فالدول العربية كيانات قطرية تشكلت على ايقاع التقسيم الاستعماري لما عرف بالارث العثماني ولم تتمكن اي منها من انجاز دولة السوق الوطني عبر تحولات داخلية وبالتالي فقد انتجت خصوصيات سياسية مريضة وليست هوية قومية وكان افضل من لخص هذه الحالة الدكتور منيف الرزاز في كتابه »التجربة المرة«.
للعرب في كل دولهم وتجمعاتهم, هوية واحدة, هي الهوية القومية وما عداها اضغاث احلام مريضة.
وحتى ان بلداً مثل مصر, لم تحقق نفسها مرة واحدة خارج هويتها العربية وكلما انعزلت عن هذه الهوية فقدت تأثيرها ومكانتها السياسية كما حدث لها منذ الانقلاب الساداتي الامريكي على الناصرية.0
mwaffaq.mahadin@alarabalyawm.net
العرب اليوم