الحب لغة عالمية لا يتقنها إلا الصادقون, الوافون بالعهود, الملتزمون بالحب,وحلاوة الحب يتذوقها المخلصون,لأن لغة الحب اجمل اللغات,وتعطي جميع المجتمعات أهمية للحب, ونادرا ما تمضي دقيقة من دون أن نسمع بها هذه الكلمة في الطرقات, وسائط النقل العامة, في الأفلام والبرامج التلفزيونية والإذاعية ومحطات الأقمار الصناعية. في مختلف الأعمار والأمصار, والمدهش أنك لا تجد اثنين يتفقان على معنى واحد للحب.
ولتذوق روعة الحب, ووضع النقاط فوق الحروف, والعيش في عالم الحب, نستمتع ونقرأ ونبحث في كتاب سمو الأمير غازي بن محمد " الحب في القرآن الكريم "، حروف وكلمات اشرقت درر، وجمعت معاني الحب في عبارات وفقرات عاش في تنسيقها وتذوق نتائجها وتحليلها سمو الأمير،آيات قرآنية خالدة عاش معها الأمير الهاشمي منذ نعومة إظفاره, رافقته في حله وترحاله, في كل مرحلة من مراحل عمره المديد بإذن الله, كانت له هدى ونبراسا وطريقا, فالبكالوريوس أنجزه سموه في جامعه برنستون في أمريكا بمرتبة أعلى الشرف في عام ,1988 والدكتوراه من جامعة كمبردج في انجلترا سنة ,1993 وتواصلت محطات الالتقاء مع العلم والعلماء والتواصل مع أفراد المجتمع, وكان منهج سموه في برامج عمله ينطلق من معان كبيرة تنطلق "الدين المعاملة, ومكارم الأخلاق, وإذا عزمت فتوكل على الله", فعمل مستشارا لجلالة الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه لشؤون العشائر, وأسس جامعة البلقاء التطبيقية في عام 1997 وأسس جامعة العلوم الإسلامية عام ,2007 وتستمر الخطوات المتقنة في فكر سموه وينشئ اكبر مشروع لتفسير القرآن الكريم على الانترنت, ليطلق الرسالة التاريخية "كلمة سواء بيننا وبينكم", وتستمر مسيرة الأمير العلمية فينجز سموه كتاب "إجماع المسلمين على احترام مذاهب الدين" الذي قال عنه الإمام الأكبر شيخ الأزهر المرحوم بإذن الله الأستاذ محمد سيد طنطاوي: "أن هذا السفر الجليل لهو خير مرجع لمن يريد أن يسير على الصراط المستقيم في قوله وفعله وفي سلوكه ونهجه".
ولأن العلم والبحث والتحليل والتأليف لا حدود لها في قاموس سموه, منحها جل وقته ومتابعته. فاهدي سموه مؤخرا للعالمين العربي والإسلامي كتابه الجديد "الحب في القرآن الكريم", فالقارئ والمدقق والمحلل يجد في كل صفحة من صفحات هذا الكتاب معاني غزيرة, وجهدا كبيرا, وصبرا على البحث العلمي, وأمانة وصدقا, وخدمة الحق, والتنزه عن المغريات الخادعة, والبعد عن المآرب والأهواء, والربط بين السور والآيات القرآنية, انتقاء المفردات والكلمات, وتنسيقا ووصولا إلى لب الفكرة والمعنى والمغزى, جهد ملموس تجد فيه نكهة خاصة في تذوق حلاوة وروعة الإيمان وصلة الخالق في المخلوق, وشد القارئ وجذبه وعشقه للدين ومنطلقاته, فالسعادة في الدنيا والآخرة ابسطها سموه بروح امتلكتها غزارة المعنى وروعة الإتقان والتقاط الصور والإشارات, وتفاني الجهد, نعم, الديانات السماوية, انزلها الله - تعالى - لسعادة البشر, وهدايتهم الى الصراط المستقيم, ولغرس المعاني الفاضلة في نفوسهم, ولا سعادة من غير حب, لا في الدنيا ولا في الآخرة, هذه أسرار الحب, ومن يريد السير في ركب السعادة فعليه أن يصل إلى شاطئ الأمان, أن ينهل من بحر الكلمات, ويتفكر في الكون وما به من جمادات ومخلوقات, سخرها الله سبحانه وتعالى لخدمة الإنسان وسعادته, وتوجيهه لحسن استخدامها ليصل إلى السعادة المنشودة.
الحب في القرآن الكريم, رحمة وهداية ونور وشموع تضاء في دروب الطامعين والطامحين للفوز بالرضا الدنيوي وغنم الغنائم النفسية الروحانية لفتح شهية البشر للتكاتف والتعاضد والإيثار والتسامح وحب الجميع, حب الأخ لأخيه, والجار لجاره, والزوجة لزوجها, والأسرة المتحابة تنجح في تربية الأولاد ورعاية الأجيال.ففي كل صفحة من صفحات الكتاب تقف عند روعة التأليف, وعذوبة الوصف والتحليل, ومتعة في القراءة والاستشهاد, فكلمة الحب التي لا تتجاوز حروفها الحرفين فقط, استطاع سموه بسعة فكره ربط هذين الحرفين في منهج يرسم العلاقة بين الخالق والمخلوق, فلا ركن من أركان الإسلام يصل إلى الله ألا عن طريق القلب كما قال رسول الله صل الله عليه وسلم, إلا وان في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله, وإذا فسدت فسد الجسد كله, وإذا كان القلب هو محل تحليلات الله عز وجل فأن الحب هو إشراقه النور النابع من ذلك القلب. لا سعادة من غير حب, لا في الدنيا ولا في الآخرة.
الحب في القرآن الكريم, دروس مشرقة بأنوار القرآن الكريم, تأليف مبتكر, الأمة بأشد الحاجة إليه في هذا الزمن, زمن الفرقة والانقسام, والتشتت والضياع, زمن تكاثر المفتين والمتصنعين والمدعين في الاستقامة والفتوة والتدين, زمن الفتاوى الالكترونية, وتعلق الأجيال في التكنولوجيا, زمن المعلومات الجاهزة, والإرشادات المضللة, وتلاشي دور الأسرة في التنشئة الاجتماعية. في ظل هذه الأوضاع يصدر لنا سمو الأمير كتابه ليكون بمثابة عقد اجتماعي بين أفراد المجتمع, عهد على التماسك والتلاقي والتكاتف, ففي الباب الأول من الكتاب يتحدث عن الحب الآلهي, والكون والحب, حب الله جل جلاله لرسله وأنبيائه, حب الله جل جلاله للناس, وفي الباب الثاني يستعرض حب الرسول لله, وحب الرسول عليه السلام للمؤمنين, اما الفصل الثالث فيتحدث عن حب الإنسان لله, وحب المؤمن للرسول عليه الصلاة والسلام, واثر حب الله جل جلاله على الإنسان, ويتحدث عن الحب الآلهي, وحب الآخرين, والحب الزوجي والحب الجنسي, الحب والزنا, والحب والنظر, اما الفصل الرابع فيتحدث عن أنواع الحب, مراحل الحب, الوقوع في الحب, نمو الحب, دائرتي الحب, مراتب جمال الحب, طبيعة الحب, الحب والجمال في الجنة, الباب الخامس يبحث في المحبوب, الذوق, الجمال والحسن ومكوناتها, طبيعة الجمال, اللقاء والرضوان, المقصود الحقيقي وراء الحب.
وبعد, حب الله لعباده حقيقة ثابتة في القرآن الكريم. ااكدها وتوقف عندها سموه في اشارات واضاءات كثيرة،وعمق البحث اشار اليه سموه عندما اورد ارتباط اسم الله باسمه "الرحمن, واسمه "الرحيم", وان رحمته شاملة للخلق جميعا, وان الحب أصل الخلق, وأن الله جل جلاله خلق الخلق للرحمة, كما قال ابن عباس رضي الله عنهما "وللرحمة خلقهم", اما فيما يتعلق في الكون والحب فيقدم سموه صورة جميلة تتمثل في تسبيح الكون كله لله جل جلاله ويحمده فطرياً, اما حب الله جل جلاله للناس فتتجلى في خلق الله للناس في أجمل صورة وأحسن تقويم وفضله على ذلك كثيرا ممن خلق, وأن الله جل جلاله ذكر في كتابه الكريم ثمانية أصناف من الناس الذين يحبهم, وهم: المتوكلون, والمتطهرون, والتوابون, والمقسطون, والذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص, والصابرون, والمتقون, والمحسنون, وأن القاسم المشترك بين هذه الأصناف هي التحلي بأنواع الفضائل. اما فيما يتعلق في حب الإنسان لله جل جلاله فيبين الكتاب إن حب الإنسان لله سهل وطبيعي, لأن الله جل جلاله أسبغ عليه نعمه الظاهرة والباطنة, وان مجرد عاطفة الحب فقط لا يقبلها الله من الإنسان بل يطلب من الإنسان الحب الحقيقي بإتباع الرسول صلى الله عليه وسلم في أخلاقه وفي أعماله وفي أموره كافة ليكون صادقا في حب الله جل جلاله بكل وجدانه, فإذا اتبع المؤمن الرسول صل الله عليه وسلم وصدق في ذلك وذكر الله كثيرا فأنه ينطبق عليه قول الله جل جلاله: والذين أمنوا اشد حبا لله,... وان حب الله يؤدي إلى حب ما يُذكر بالله وما يؤدي إلى الله جل جلاله. و المؤمن الصادق يحب الرسول صل الله عليه وسلم لأنه يعلم أنه حريص على الناس, ورؤوف رحيم بالمؤمنين, وأنه يشفع للمؤمنين يوم القيامة, ويحب ان يدخلهم الله الجنة, كما يحب المؤمن رسول الله لجماله الخلقي الذي شهد الله جل جلاله له فيه بقوله جل جلاله: وانك لعلى خلق عظيم.
ويبرز سمو الأمير "قضية الحب العائلي", والتي تقوم على المودة, وان الله جل جلاله جعل حقوق القرابة ودرجاتها مختلفة وبيّن حقوق كل منها, فأوجب بر الوالدين واحترامهما وطاعتهما في غير معصية الله جل جلاله, وبين حقوق الزوجة بالمعاشرة بالمعروف, وحقوق الأولاد, وصلة الأرحام والإحسان إليهم, وحذر من فتنة الأزواج والأولاد والأموال, كل ذلك ليعم الحب المتوازن في العائلة ويكون هذا الحب مضبوطاً برضا الله جل جلاله. وعن حب الآخرين من غير أولي القربى من الناس من بقية المؤمنين والأصدقاء, فجعل الله بينهم رابطة الأخوة ليحب بعضهم بعضاً, وأمر الله جل جلاله بالرحمة بأهل الكتاب وعدم الإساءة إليهم, وكذلك الناس كافة; نحسن إليهم ونتعرف ونقسط بهم ولا نعتدي عليهم بالقتل أو بأي نوع من أنواع الإساءة لتعم المحبة في البشرية جمعاء.
مسك الكلام,,, كتاب الحب في القرآن الكريم, جهد يستحق الشكر, والاهتمام والقراءة والمتابعة, جهد يكشف مفاتيح السعادة والحياة الكريمة, حب الله للإنسان, حب الإنسان لله, حبه لأسرته وأقاربه وكافة أفراد المجتمع ، كتاب مليء بالحيوية والرؤى الإيمانية صادرة من قلب مشع بالإيمان محب للإنسانية, صادرة من عقل نير يسعى لإثراء العلم والمكتبة العربية في كتب نادرة لم يسبق الإشارة إلى مواضيعها, تستحق القراءة والمتابعة والتدريس، وتحتاجه الأمة في العصر الحديث لأنه يهدي إلى كريم التعامل، ومد جسور التواصل بين الشعوب, فهو يمثل إضافة مهمة للفكر الإسلامي في الواقع الحالي, ويساهم في إزالة إشكالية الصدام بين الدين والحب وبين الإيمان وتذوق الجمال. اللهم ارزقنا حبك وحب من يحبك وحب كل عمل يقربنا لك يا رب العالمين.
وأختم بهذه الأبيات الرائعة للإمام الشافعي رحمه الله:
إذا المـــرء لا يرعــاك إلا تكلفــــا
فدعه ولا تكثر عليه التأسفا
ففي الناس أبدال وفي الترك راحة
وفي القلب صبر للحبيب ولو جفـا
فما كل من تهــــواه يهواك قلبــــه
ولا كل من صافيته لك قد صفـــــا
إذا لم يكــن صــفو الود طبيــعـــة
فلا خيـــر في ود يجيء تكلفا
ولا خير في خـل يخــون خليــله
ويلقــاه من بعــد المـــودة بالجـفــــا
وينـكر عيشا قد تقـــادم عهـــــده
ويظهـــر سرا كان بالأمس قد خفا
سلام على الدنيا إذا لم يكـن بها
صديق ٌصدوق ٌصادق الوعد منصفا
Ohok1960@yahoo.com
*أكاديمي - استاذ مشارك - تخصص علم اجتماع - جامعة البلقاء التطبيقية