اخترق فيروس كورونا حصون مستشفيات البشير، ليسجل 20 إصابة بين الكوادر الطبية والتمريضية، ما دفع إدارتها إلى وقف استقبال مرضى العظام والمفاصل، وإيقاف إجراء العمليات الجراحية إلى إشعار آخر، باستثناء العمليات الجراحية الطارئة، كإجراء احترازي للحيلولة دون انتقال الوباء.
لا خيار أمام مستشفى البشير إلا أن تلجأ إلى وقف استقبال المرضى، حتى وإن لم تفعل ذلك، فإن المرضى أنفسهم لن يتوجهوا إلى هذا الصرح الطبي لتلقي العلاج بعد أن انتشرت أخبار الإصابات فيه. الحل الوحيد أمامهم هو تحمل الألم والصبر عليه إلى حين إعلان إدارة المستشفى خلوه من الفيروس، وهذا في أفضل الأحوال لن يكون قبل نحو 14 يوما من الآن.
في المقابل، لا يوجد متسع للمرضى في مستشفى الأمير حمزة، فهو محجوز لعلاج المصابين بكورونا، وبسعة 600 سرير، ما يعني أن المرضى لن يجدوا بديلا عن مستشفى البشير، وسيصطدمون بطريق مجهولة، خصوصا وأن 20 إصابة مكتشفة في مستشفى البشير تعني أن هناك أعدادا كبيرة من المخالطين، ومخالطي المخالطين. المسألة ستطول بلا شك.
الآن، تتزايد أعداد الإصابات بالفيروس، وجميع المختصين وأصحاب الشأن في القرار الصحي يؤكدون أن القادم سيكون أكثر سوءا من حيث أعداد الإصابات التي طالت كل المحافظات، ولم تسلم منها الكوادر الطبية، التي يجب أن تكون أكثر تحصينا من غيرها، وهذا يعني أمرا واحدا لا مفر منه وهو أن القطاع الصحي سيشهد هزة كبيرة لن يقوى على تفاديها أو مواجهتها في ظل محدودية قدرته الاستيعابية لمصابي كورونا بعدد لا يتجاوز الـ900 سرير.
إذن، أين سيتلقى المرضى الرعاية الصحية في ظل مستشفيات ومسؤولين تركوا القطاع الصحي يتهاوى لانشغالاتهم بفيروس كورونا فقط. إن ما تبقى من صروح طبية محدودة جدا، وبإمكانيات أقل من عادية، وهي لن تفي بالأعداد الكبيرة التي تحتاج إلى إجراءات طبية، كما أن المراكز الصحية في عمان لا تقدم خدمات طبية شاملة، فهي مراكز أولوية تعمل كطوارئ ليس أكثر.
في العديد من الدول، كان هناك إدراك لهذه الأزمة وخط سيرها المستقبلي المتوقع بشكل مبكر، فعمدوا إلى تجهيز مستشفيات ميدانية في الأطراف مهمتها استقبال مصابي كورونا وتقديم الرعاية الكاملة لهم، بعيدا عن المستشفيات العامة التي بقيت تعمل بكامل سعاتها لعلاج المرضى العاديين، لذلك لم تشهد هذه الدول أزمة، ولم تضطر إلى إغلاق أبوابها في وجه مراجعيها.
الأمر لم يكن يحتاج إلى كثير من الذكاء لتجنب الوصول إلى هذه المرحلة من التردي، إذ إن الدولة في بدايات جائحة كورونا جهزت “كرفانات” في منطقة البحر الميت، وكان الحديث يدور عن أخرى في الشمال والوسط والجنوب لاستقبال القادمين من الخارج، فلماذا لا تتحول هذه الكرفانات إلى مستشفيات ميدانية يتلقى بها المصابون بالفيروس علاجاتهم!!
على الحكومة، التي لا تسمع ولا تأخذ بأي رأي سوى ما تراه هي مناسبا لأهوائها واعتقاداتها، أن تسرع بعد أن قررت التعايش مع كورونا، في إنجاز المستشفيات الميدانية، لأن الأرقام في تصاعد، ما يعني أن مستشفى الأمير حمزة أو مستشفيات المحافظات لن تكون قادرة على استيعاب الأعداد المتوقعة من المصابين، كما أن المواطنين يحتاجون إلى رعاية صحية في أمراض مختلفة، والعديد منهم لا يحتمل التأجيل.
الغالبية العظمى من مراجعي مستشفيات القطاع العام هم من الطبقات القليلة الدخل من الفقراء والمعوزين والمحتاجين، ممن أنهكتهم الحكومة الحالية بقرارات على مدار عمرها، واستمرار إغلاق مستشفى كالبشير يعني أن هؤلاء مخيرون بين تحمل الآلام أو الموت البطيء، أو المجازفة باللجوء إلى المستشفيات الخاصة لتلقي العلاج، وهي مجازفة حقيقية، ربما تدفعهم هم أو أقرباءهم إلى السجن في ظل تأكدهم من أنهم لن يستطيعوا دفع الكلف المالية. لكن، وفي كثير من الأوقات يصدق القول “صاحب الحاجة أرعن”.
الغد