تختلط الرؤى وتتعالى الأصوات وتتداخل الأدوار في ظل الإفرازات المعاصرة والطوفان الإعلامي. فكثيراً ما نسمع هو يقول وهي تقول.
هو يقول: تؤرقني الأنوثة المتهالكة عندما تتداعى (أنثى العصر) من علياء الأنوثة وعفتها وسحرها وعذوبتها إلى سلعة استهلاكية استعراضية, إلى سلعة مصطنعة آنية, تباع وتُشترى في فضاء الانحطاط والرذيلة بأبخس الأسعار.
تؤرقني وتكدر صفاء الروح وجماليات الحياة عندما ترحل المرأة (الأنثى) رحيلاً كلياً من خصوصية أنوثتها ورقتها التي فطرها الله عليها إلى عالم الجنس الثالث (الجنس الحائر، الجنس الرمادي) الذي لم ولن يكون له دور في منظومة الحياة التي خلقها الله.
وتتعالى الأصوات وتتباكى لتنادي (بالمساواة والمساواة) حتى في الخصوصية البيولوجية والنفسية والوظيفية والفطرية فلم يعد ضمير هو أو هي معروفا في معجم الحياة الاجتماعية فالزواج ما عاد من أزواج وأقطاب مختلفين بل قطب واحد لا ثاني له.
وذلك الصراع والصدام مع تناغم النظام الكوني كما شاء ويريد اللطيف الخبير (وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا)النبأ آية8, (وَلَيْسَ الذّكَرُ كَالاُنْثَىَ)آل عمران آية36, والعلم والواقع, والشرائع تقول وتؤكد.
هو يقول تخاطبني بجسدها بغرائزي تلغي وتقصي كل تفاصيل لغة القلوب والعقول، فإذا ما تحدثت في لغة (نجوم الفن) تجاوزت الرقي والتسامي وحروفه الساحرة والأهداف العليا, إلى دونية الأرض وجاذبيتها وطاقتها السلبية لأغراض ملوثة وأدوات مغرضة ظاهرها الحب والدفء و(الفن والنجومية) (الجمال) (الحرية الشخصية) وباطنها أطياف المكر والخديعة وتلويث جماليات الحياة.
تتقمصها بأدوار آنية معقدة مصطنعة لتعلن على الملأ أن الحياة وكل الحياة ليست إلا عبودية جسد وثقافة صورة طاغية في عصر الشاشة الصغيرة المزيفة والملوثة للحقائق وللذوق العام, حيث يتسابق عري الألفاظ, وعري الأجساد في عصر تسوده ثقافة العري, من كل عفة وحياء وإقصاء وإلغاء لكل معناً جميل.
فإذا ما هبطت إلى واقعها وأدوارها الوظيفية انسلخت من كل معناً جميل أعلنته ومن كل ثوب جميل لبسته.
فسلام على أهل الدنيا المغرر بهم ووداعاً للأنوثة الفطرية الإيمانية النقية الصامدة أمام صنم الفن والنجومية وسطوته, وقوة ومن يدفع به نحو الواجهة ليقود الإنسانية, ولن أقول سلام على كوكب الأرض لأن الذي يديره ويدبره بحكمته هو خالق الأكوان (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ)الرعدآية38.
هي تقول إن كانت المناداة بالمساواة المطلقة بين الرجل والمرأة لعنة تصيب القلوب والضمائر والعقول, فإن المساواة بين كل الإناث وإطلاق الأحكام العامة بحيث تتساوى فيه المرأة الرسالية العابدة الفاضلة بالمرأة الدونية العابثة بل تتقدم عليها في مواقع الحياة الأسرية والاجتماعية, فإن ذلك يعد لعنة أخرى تفوقها أو توازيها.
فإذا ما تحدث بعضاً من الرجال أصحاب الهم الرسالي الدعوي ومن توسمنا بهم الخير عن المرأة تحول الحوار إلى سجال انفعالي عاطفي إقصائي, لسحب نموذج المرأة العابثة على كل النساء من دون استثناء بل قد تغلب عليه أحياناً شيطنة المرأة العفيفة قبل العابثة وإقصائها عن مواقع الحياة والتمكين, بل يضع ابسط الزلات على مشرحة الاتهام ومجهر التكبير ويكاد يعفيها من كل دور فاعل في صناعة الحياة والشهود الحضاري متغافلاً أن ذلك يشل أحد جناحي الحضارة فاليد الواحدة محال أن تصفق وكأنما رسالته المبطنة أن المرأة انحسر دورها بالوظائف والمهام الجسدية.
والمؤسف أن البعض –ولا أعمم هنا- إذا ما سألته عن العابثات كان على حذر من تشويش سمعتهن, ولربما وفي الوقت ذاته نرى الثلة العابثة من الرجال والنساء ممن ينادون في الغدو والآصال بشعاراتهم البراقة المغرضة في باطنها, من حقوق المرأة, والحرية المطلقة, والمساواة, وغيرها من الشعارات التي تنشر الطاقة السلبية وتخدم الأغراض العبثية وتخدش الحياء وتفسد الأذواق, وفي الوقت ذاته تزيد المرأة الفاضلة وهناً على وهن في ظل تخاذل دور الرجل الرسالي.
وفي الطرف المقابل لها تزداد المرأة العابثة غطرسة وجبروت وعبثية, لمَ لا فقد تفننت وأبدعت في صور الانحطاط الأخلاقي والانسلاخ من كل قيمة سامية, ما لم ترى عشر معشاره كل جاهليات الأمم في عمق وحاضر التاريخ الإنساني منذ قرون خلت, في الوقت الذي تصادر وتحرم المرأة الرسالية الملتزمة من أبسط حقوقها التي منحها الله إياها.
حتى أن الجاهلية الأولى منحت المرأة حقوق أكثر بكثير من الجاهلية الكبرى المعاصرة, فها هي أطهر خلق الله تطلب الزواج من أعظم الخلق وقد دنت من الأربعين وسبق لها الزواج -رغم صغر سنه وجمال وروعة أخلاقه- فلم يكن مستنكراً أو جرماً اجتماعياً, وهذا قبل البعثة والرسالة النبوية فإذا ما جاء نور الرسالة الذي أضاء أرجاء المعمورة لتنعم المرأة بحقوقها وتتربع على عرش العفة في رحاب الزوجية الدافئة والأمومة المتدفقة وباقي مناحي الحياة الاجتماعية بتناغم منقطع النظير.
فليسأل التاريخ عن الأمة (بُريرة) ورفضها العودة لزوجها ووسيطهما نبي الرحمة عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم, وليسأل التاريخ عن حقائق ووقائع أعظم من الخيال, من الحرية الوجدانية والعقلية, وفق الرؤية الإسلامية, ولكنها حجبت في ثقافة القرن الحادي والعشرين وألصقت بالدين أعراف اجتماعية وثقافة موروثة عمياء صماء لا أصل ديني لها, وتحدث الرجال عن المرأة الرسالية ولم يسمح لها بالحديث عن نفسها حتى في أدق خصوصياتها.
ويبقى السؤال الذي يثير جدلاً في غور قلبي وفي رحاب نفسي ورحاب عالمي المضطرب كيف لمرأة استباحت كل حرمة أن تحظى بكل ما تريد, وامرأة أخرى جاهدت نفسها ووقعت تحت مطرقتي التقاليد الوافدة والراكدة ووقفت شامخة أمام هذه الأعاصير العاتية التي لم يسبق لها مثيل فجاهدت وكابدت لتنال رضى رحمن رحيم فكيف لها أن تصادر حقوقها التي منحها الله إياها بل وتحرم من أبسط حقوقها ؟؟ فمن ينصر المرأة الرسالية؟؟ (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا)العنكبوت آية69.