عقلية المؤسسات الحكومية والتفكير خارج الصندوق
فيصل تايه
12-09-2020 08:49 AM
استغرب ما يحدث في بعض من المؤسسات والهيئات الرسمية في كثير من القطاعات الحكومية والتي ما زالت تمارس بعض الأساليب المترجفة في التعاملات خاصة بعض الإدارات التي تسير على نهج " التعليمات لا تسمح" و "والانظمة والقوانين ملزمة " دون اعطاء الفرصه للتفكير خارج الصندوق ، وتقف امام من يسعى الى تطوير تلك التعليمات والقوانين والانظمة موقفا ضديا وتمارس أساليب التطفيش والتهميش والتجاهل والتجميد و.... لكل من تسول له نفسه التجديف ضد التيار أو التغريد خارج السرب، والتي كنا نتمنى تغيرات ادارية تطال كل شيء فيها لتصل لهذه العقليات التي لا زالت تتبع الوسائل والاساليب التقليدية التي اكل الدهر عليها وشرب ، إلا أن كل شيء يمكن أن يتغير ويتبدل إلا تلك العقليات التي تربت على السير في خط باتجاه واحد فقط ، فهي بلا شك ستموت عليه ولن تتغير ، لذلك فان التغيير يخيف أصحاب العقليات المتجمدة في مكانها، ولذلك فهي تقف في وجهه وفي وجه كل شخص ترى فيه نواة للتغيير !
بلا شك ان الذين يخافون من التغيير يكمن سبب خوفهم الأول والأخير في خوفهم على حزمة المصالح التي أسسوها في الموقع الذي يعملون فيه، هذه المصالح لكي تبقى وتستمر وتنمو أكثر وأكثر يجب أن تبقى الأوضاع على ما هي عليه، ليس من مصلحة حزب المصالح أن يأتي موظف مختلف، مجتهد، صاحب مبادرات وفكر جديد والأهم والأخطر حين يكون صاحب عقلية متجددة وشخصية مستقلة، بمعنى آخر انه ليس من تيار القطيع أو كما يسميه الأميركان تيار “نعم” ! صحيح أن الطاعة والمرونة والامتثال لقوانين العمل وتوجيهات الإدارة والمسؤول المباشر أمور مطلوبة ومن أوليات العمل في اية مؤسسة، لكن من قال إن كلمة “نعم” مطلوبة دائما وفي كل الأوقات؟ ومن قال أيضا إن كلمة “لا” تشكل سلوكاً إدارياً خاطئاً وسلبياً دائماً؟
للاسف ايضاً فان هناك أخطاء وتجاوزات تحدث في العديد من الإدارات سواء كانت تلك الاخطاء بسيطة أو كبيرة ، وسواء أكانت في حق العمل والمؤسسة أو في حق الموظف نفسه، وهناك من يتجاوز في أمور لا يجوز التجاوز والتهاون فيها، ويظن البعض أن على الموظف أن يتقبل أي تجاوز يحدث ضده أو ضد حقوقه، وأن احترامه لمواثيق شرف العمل والمؤسسة يعني أن يصمت ويطأطئ رأسه ويقول نعم ثم يمضي، ولا يهم مقدار حقوقه التي يفرط فيها، وهنا فإن هذا النوع من الإدارات لا تمارس تعديا فقط ولكن تكرس نوعا من الفساد في وسط بيئة العمل تجعلها بيئة فاسدة من جهة وطاردة من جهة أخرى !
لكن حين يتصدى بعض الموظفين الجدد من شباب هذا الجيل الذي تربى على مفاهيم الشفافية وحرية الرأي وعدم السكوت على الخطأ، ترى فيه بعض الإدارات مؤشرا خطرا حقيقيا يتوجب الوقوف في وجهه وكسر شوكته، وهنا فإن أول خطوة تقوم بها بعض الإدارات البيروقراطية المتخلفة هو التكتل ضد هذا الموظف القادم “نافش ريشه” وتصويره بأنه شخص متمرد، قليل الأدب، لا يحترم رؤساءه ولا يحترم مواثيق المؤسسة، إضافة إلى أنه مغرور ومتعالٍ وعديم الخبرة، وبعد التكتل وإشاعة هذه الصورة السلبية حوله تبدأ جولة احتساب النقاط، فيعدون عليه حركاته وسكناته ويسجلون عليه كل ما يمكن أن يشكل مستمسكا ضده وقت اللزوم، وهنا تتحول المؤسسة إلى حلبة صراع ودهاليز لحياكة المؤامرات أكثر منها مكان للعمل والإنتاج والتعاون والعمل بروح الفريق !
وتتوالى الضربات ضد هذا الموظف الذي لا ذنب له إلا أنه رفع رأسه وطالب بالتغير بانتهاج الجديد في عصر يتطلب كل جديد أو اعترض على أمر معين، فهذا يقدم شكوى، وذاك يسفه رأيه في الاجتماع، والمدير يأمر بنقله إلى منطقة بعيدة ثم يحرم من الترقية أو لا تتم الموافقة على إجازته مثلا، ثم يقدم ملفه للمدير العام للبت في أمره دون أن يمنح فرصة ليفهم جريمته أو يدافع عن نفسه !
هذه أمور لا زالت تحدث بالفعل في بعض مؤسسات العمل عندنا مع أننا تصورنا أننا تجاوزنا هذه الأساليب وأنها صارت جزءا من الماضي، ففي ظل ثورة التقنية والمعلوماتية وتطور التعليم وتطور شخصية الشباب الذين يتلقون تعليمهم في أرقى مؤسسات التعليم شرقا وغربا، صار التفكير خارج الصندوق أمرا طبيعيا ومتوقعا والتغريد خارج السرب سمة من سمات شباب اليوم، لكن البعض يبدو أنه لا يتابع ولا ينظر إلى ما يجري حوله !