أخطأوا .. من يحاسبهم .. ؟
حسين الرواشدة
11-09-2020 12:16 AM
يفترض بعض الدعاة أن مجرد حضّ الناس على الالتزام بالحلال والحرام في سلوكياتهم يكفي لضمان طهارة المجتمع وخلوه من الفساد، ولو كان هذا التصور دقيقاً لكانت مجتمعاتنا الإسلامية من أفضل المجتمعات في العالم التزاما «بالقيم الإنسانية»، ولكان جمهور المتدينين من اكثر الناس حفاظاً على مقاصد الدين، لكن الواقع غير ذلك تماما، فالدين لا ينعكس بالضرورة على سلوك الناس، وأنماط التدين غير الصحيح غالبا ما تكون هي السمة السائدة للمجتمعات التي تفتقد الى «القوانين» الرادعة، او الى النماذج الإنسانية الملهمة، او الى «السياسة» الراشدة القائمة على اساس حسن تدبير شؤون العباد بسيادة العدل وضمان المساواة والحرية والكرامة العامة.
هدف الدين في الاساس هو هداية الناس الى «الصلاح»، لكن هذه الهداية تظل في اطار علاقة العباد بخالقهم، ولا يمكن لأحد ان يحاسبهم عليها إلا الله تعالى، ويمكن للدين - هنا - أن يضبط علاقة الناس ببعضهم، هذا متى كان تدينهم صحيحا، ومتى كانت المجتمعات تحتكم في كل شؤونها للشريعة، وحتى لو حصل ذلك فان الناس أدرى بشؤون دنياهم، ومن الواجب عليهم ان يتوافقوا على قواعد واضحة لإدارة «حياتهم»، فاذا ما تجاوزها بعضهم وقع في دائرة «المحظور» واستحق العقاب.
في البلدان التي عزلت الدين عن الحياة، ثمة عاملان يحددان سلوك الأفراد: احدهما القانون والآخر الأخلاق، وسلطة القانون بالطبع معروفة في اطار ما يترتب على الخاضعين له من حقوق وواجبات، وهي سلطة محترمة لانها لا تحابي احداً على حساب احد، وهناك يحترم الناس القوانين لانهم - في الغالب - شركاء في وضعها، ولانها تعبر عن ارادتهم، وتكفل حقوقهم وسعادتهم، ولكن مشكلة القوانين انها تحاسب من يتم ضبطه متلبساً بالخطأ، وينجو آخرون من سطوتها اذا «غاب» الرقيب عنهم او كانوا «اشطر» منه، وهنا يمكن للأخلاق ان تتدخل، والاخلاق في الغرب وفي المجتمعات التي لا تحتكم للدين، قواعد وتقاليد انسانية قامت على اساس «خبرة» الناس وتجربتهم، وهي عند البعض أقوى من القوانين.
في اطار «التدين» غير الصحيح، يبدو سؤال «الحلال والحرام» متعلقا فقط بالعبادات وبقليل من المعاملات، وبالافراد وخلاصهم، لا بالمجتمع وضروراته، وبالوعظ لا بالتطبيق، وبالتالي فانه - في الغالب - لا يشكل «رادعا» لمنع الناس من ارتكاب الخطأ الا اذا كانوا قد فهموا حقيقة الدين (وهؤلاء للاسف ليسوا اكثرية الناس)، وبالتالي فان ضبط سلوك الناس يحتاج الى «القانون» الذي يراقب ويحاسب ويحاكم، وبدونه فان المجتمعات تتحول الى «غابة» يأكل فيها القوي الضعيف.
في الإدارة، يبدو سؤال الحلال والحرام سؤالا أخلاقيا بامتياز، والاجابة عليه قد تبدو «ملتبسة» احيانا، خاصة في المسائل التي لم يرد فيها نص قطعي جازم بالتحريم، لكن الاوجب ان يكون السؤال حول «النظام القانوني» الذي يحكم الحلال والحرام، أو يحدد قواعد النظام العام، باعتبار ان هذه الحدود أو القواعد الملزمة هي الوسيلة لحل التناقض الدائم بين وحدة المجتمع وتعدد الناس فيه.
بقي ان أشير الى نقطة اخيرة، وهي ان مهمة بيان الحرام والحلال تقع على عاتق «المفتي»، والفتوى هنا غير ملزمة واقعيا، الا في اطار علاقة الانسان بالله تعالى، اما مهمة المحاسبة على الحلال والحرام فتقع ضمن مسؤولية «القاضي» مدنيا كان او شرعيا، واحكامه هنا ملزمة، واعتقد ان المسؤول ليس «مُفتيا» وبالتالي فان واجبه ان يستخدم «صلاحياته» في المحاسبة، سواء وفق ما لديه من انظمة وتعليمات او بالاحالة الى «القضاء» لكي يقول كلمته.
الدستور