الفرق الاساسي بين الاعلان الرسمي الاخير عن نية استئناف خدمة العلم، وما سبقها من برامج شبيهة، اننا الان نتحدث عن الالزامية والاجبارية لخدمة العلم وليس الاختيارية. الالزامية أتت بشروط وهي ان لا يكون الشاب على مقاعد الدراسة، وليس مسافرا خارج البلد، ولا يعمل بمكان ما وانما عاطل عن العمل. الاجتهاد بإعادة الخدمة الاجبارية مشكور من حيث المبدأ، ولقي استحسانا من قبل الرأي العام لما يرتبط بالاذهان من قيم الجندية في الانضباط والحزم والجدية.
المشكلة الاولى التي ستعترض طريق هذا التوجه هو تكلفته المالية العالية المقدرة سابقا بنحو ستين مليون دينار بالسنة، والتي قد لا تقوى عليها الخزينة، وربما انفاقها بدعم اعمال الشباب من خلال تسديد استحقاقات الضمان سيكون اجدى واكثر استدامة من مجرد تدريبهم واعادتهم لسوق العمل بعد سنة.
المعضلة الاخرى تتمثل بالعهد للقوات المسلحة بهذه المهمة الكبيرة والمستنزفة لطاقاتهم التدريبية لتأهيل عشرات الالاف من الشباب دون ان يكون لذلك اي اضافة على القدرات القتالية او العملياتية للجيش. قواتنا المسلحة تحمل على اكتفاها مهمات عظيمة وثقيلة في حماية البلد ومصالحه وتقديم الرعاية الصحية وفي مجال التعليم ايضا، وحراسة حدوده الممتدة ووقف وقتل من يحاول تدنيس تراب الاردن، وما زالت تخوض مع الارهاب معركة شرسة استخباراتية وايديولوجية، فهل نأتي اليوم لنزيد من هذه الاعباء لاننا اخفقنا في تعليم ابنائنا اسس الانضباط والجدية في الحياة؟ هذا ليس عمل القوات المسلحة، فللجيش مهامه الكبيرة والثقيلة الاخرى التي يجب ان نساعده على القيام بها لا ان نضيف لها المزيد من الاثقال.
خدمة العلم الاجبارية لن تقضي على البطالة او تخففها، بل ستؤجلها الى حين، فحل البطالة يكون برفع معدلات النمو التي نعاني تراجعها بالاردن كما في العديد من دول العالم، ومع ان لدينا خيرة الاقتصاديين الا اننا لم نتوفق للان برفع معدلات النمو لاسباب خارجة عن ارادتنا واسباب اخرى ذاتية عجزت للان عن الاستثمار بميزات الاردن النسبية بما يعود بالخير ويرفع النمو.
في ظني ان الحل الاساسي لرفع انضباطية وجدية شبابنا يكمن في مرحلة التعليم المدرسي، فهناك يكمن الطريق الاصلح والافضل، ولدينا بالفعل برامج ومعسكرات تفعل ذلك فلماذا لا نجعل هذه البرامج الزامية بدل اعادة خدمة العلم المكلفة؟ نجعلها الزامية للمدارس الحكومية والخاصة على حد سواء وهذا مهم يزيل اي بعد طبقي عنها، ونلزم كل مدرسة وكل طالب بعدد ساعات خدمة اجبارية عامة وتطوعية مجتمعية قبل ان يتخرج من المدرسة. اما الجزء الاخر من الحل فهو اعادة الاعتبار لامتحان التوجيهي ليفرز لنا من لا يجب ان يدخل للجامعات، فيكون هؤلاء وقود الاقتصاد ومهنييه، يدخلون معاهد التدريب المهني، ويتم تزويدهم بخبراء ومستشارين يساعدونهم على البدء بإعمالهم الخاصة المربحة، وهكذا يدخلون الاقتصاد ويرتاحون ماليا.
الغد