كان العرب حتى يوم الرابع من حزيران عام 1967م يطالبون المجتمع الدولي بطرد الصهاينة من الأرض الفلسطينية التي احتلوها وأقاموا على ترابها دولتهم المزعومة وأنعشوا أحلامهم الموعودة.
فما الذي أراده العرب والفلسطينيون بعد هذا التاريخ؟ وماذا يريدون اليوم؟ وبماذا سيطالبون غداً؟. قبل ستين عاماً كنا ندعو إلى تصفية الكيان الصهيوني الذي كان حينها مجرد مشروع لقيام دولة إسرائيل، وخضنا الحروب تلو الأخرى لإخراج حفنة اليهود الذين توافدوا إلى الأرض الفلسطينية تحت غطاء الانتداب البريطاني.
كان العالم أكثر اتزاناً وعقلانية مما هو عليه اليوم، وإن كان الحياد الكامل والدعم اللا محدود من نصيب الصهاينة، لكن الغرب أيضاً أظهر بعضاً من التعاطف مع الفلسطينيين، ليس حباً فيهم، وإنما لتسهيل إنجاز مشروع الدولة اليهودية في فلسطين ولإتاحة الفرصة للصهاينة لبناء أنفسهم وفرض كيانهم وتقوية شوكته في المنطقة.
اليوم.. أعتقد جازماً أن العرب يتحسرون كثيراً على تلك الفرصة التي فاتتهم منذ ستين عاماً، حين صدر القرار رقم «181» عن الجمعية العامة لما كان يسمى آنذاك بهيئة الأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني عام 1947م، وعارضوه ورفضوه.
القرار المعروف بـ«قرار التقسيم» قضى بتقسيم أرض فلسطين لتقوم عليها دولتان عربية ويهودية، وعلى أن تبقى القدس تحت إدارة دولية.
وكان الإجحاف كبيراً بحق العرب الفلسطينيين وهم الذين كانوا يشكلون نسبة 76% من السكان مقابل 33% من اليهود، في حين نص القرار على منح 55% من الأرض لدولة إسرائيل بينما لم يكن اليهود يحتلون آنذاك غير 7% من المساحة الكلية لفلسطين.
المعطيات الإقليمية والدولية لم تكن حينها تسمح للفلسطينيين بالحصول على حق تقرير مصيرهم وإقامة دولتهم على كامل التراب الفلسطيني لأن الأرض كانت تحت الانتداب البريطاني، وكان الانسحاب البريطاني مشروطاً بتنفيذ ذلك القرار الدولي.
قرار التقسيم أعطى المشروعية لقيام دولة الكيان الصهيوني وتضمن اعتبار كل من يخالف بنوده خارجاً عن الشرعية، وتجب محاربته، في تأكيد واضح على أن أي مطالب عربية أو فلسطينية أو اعتراض إنما هو خارج نطاق القوانين والمواثيق الدولية، وهو بذلك أعطى الحق للصهاينة بتصفية الفلسطينيين بهذا المبرر أو ذاك، وهو ما يجري ويسري حتى اليوم.
الوضع يذكرني بحكاية سمعتها قديما عن جارين فلسطيني ويهودي، وتقول أن اليهودي كان يملك عنزة واعتاد على أن يربطها أمام شباك منزله، وكان جاره العربي يتذمر ويشكو من إزعاج العنزة بضجيجها طوال الليل، وطلب من اليهودي نقل عنزته إلى مربط آخر، إلاّ أن اليهودي نقل عنزته وربطها أمام شباك جاره الفلسطيني مما زاد من الإزعاج، فلم يكن أمام أخينا الفلسطيني من خيار آخر سوى رجاء اليهودي بإعادة العنزة إلى حيث كانت.
فبعد أن كان العرب يرفضون قطعاً وجود كيان صهيوني ودولة إسرائيلية، عادوا بعد حرب أو نكسة 5 حزيران 76، أي بعد عشرين عاماً من إعلان قيام إسرائيل واحتلالها لبقية الأرض الفلسطينية وأجزاء أخرى من أراضي الدول العربية المجاورة، عادوا ليطالبوا بالانسحاب من الضفة الغربية وسينا والجولان وغيرها، وتنازلوا بعد ذلك عن أراضي 1948م..!!
تحررت بعض الأجزاء العربية المحتلة بحروب وصفقات واتفاقيات سلام، وتكرست محنة الشعب الفلسطيني، بل وزادها الاتفاق العربي الإسرائيلي المعلن وغير المعلن تعقيداً، ودخلت القضية الفلسطينية في دوامة الصراعات والتجاذبات العربية والإقليمية، وتشكلت الأطراف والمنظمات والتنظيمات الموالية أو التابعة لهذا الطرف أو ذاك، وتاهت القضية وتعقدت في شباك الخيوط التي تحركها الجهات الشقيقة والصديقة.
ستون عاماً منذ قيام الكيان الصهيوني.. وأربعون عاماً من احتلاله لبقية الأرض الفلسطينية، وما زالت القضية الفلسطينية على حالها، بل إنها أصبحت أغرب وأطول قضية صراع واحتلال في التاريخ الإنساني.
وما يزيد الأمر حزناً وألماً، هو ما يجري اليوم على الساحة الفلسطينية، حيث توجه البندقية إلى صدر صاحبها، بعد أن كانت موجهة صوب هدف واحد هو صدر العدو المحتل.
الفلسطينيون يدركون خطورة المرحلة ويعرفون جيداً أين تكمن مصلحتهم، لكنهم مطالبون اليوم من شعبهم الفلسطيني وشعوبهم العربية بأن يستوعبوا الدروس ويستخلصوا العبر من تاريخهم النضالي الطويل وتضحياتهم الجسام، ويعملوا على التحرر من الخيوط الممتدة من الخارج، لأن هذه الخيوط هي سبب محنتهم الطويلة وهي وراء كل ما يجري اليوم.