من مقهى "عمّاني" لطيف، على مطل رابية عمانية ألطف، يتخذ سمير وباسل كل مساء موقعهما المعتاد، وبجانب كل منهما أرجيلة، وأمام كل منهما على الطاولة، عالم الفضاء الإلكتروني عبر جهازي لاب توب، يسبحان فيه، المشهد أكثر طرافة حين يكون باسل أو سمير وبهدوء أي مدخن أرجيلة يمسكان هاتفهما الخلوي بيد، واليد الأخرى بصعوبة تكتب على الكمبيوتر، وتنتقل بسرعة خاطفة إلى الماوس، وبربيش الأرجيلة في الفم يضخ نكهات الفواكه إلى صدر يتسع لكل هذا النيكوتين ويتسع للرأي الآخر أيضا.تجاوز الثنائي في "عمونهما" قصة الحرفية في الخبر وصناعته، فالخبر لا يأخذ دقائق معهما، وأكبر قصة صحفية قد تأخذ وقتا في إعدادها، لكن نشرها يتطلب كبسة زر واحدة، كل هذا العمل المهني يعد عملية سهلة لهما نظرا للخبرة التي يمتلكانها مع التفاوت الشخصي، فباسل العكور، صحفي تحقيقات درجة أولى، متحمس لا يزال يملك حاسة الدهشة التي تجعله مندفعا ببراءة أحيانا، وسمير الحياري، صحفي معتق، دعكته الخبرة والممارسة الطويلة، إلى كبح جماح التحمس، وبين الرجلين شيفرة عيون مرمزة لا يفهمها إلاهما.
كل هذه الخبرة المعتقة لديهما، لم تستطع أن تمنع الجديد الذي يواجهانه، وهو العمل اليومي الألذ في حياتهما، "ردود القراء"!!
الدهشة الطفولية إزاء هذا الكم الهائل من الردود، وتنظيمها وأحيانا فلترتها بما يليق بالموقع وقرائه، حالة مدرسية جديدة في عالم الصحافة يتعلمها الإثنان يوميا بكل فرح ممكن.
عمون، موقع إخباري إلكتروني، لكن عمون أيضا جسر تواصل بين نبض الناس، والحرية المنشودة للتعبير، وأجزم ان سمير وباسل لم يتوقعا في بداية مشروعهما هذا التواصل الخرافي مع الناس، كل الناس.
نحن، الصحفيون، أصدقاء المذكورين اعلاه، ومنا الكثير من لا يلتقي في رؤاه وحياته الشخصية مع الآخر، جمعتنا عمون في فضائها الإلكتروني وجمعتنا مع الناس، والكتاب الصحفيين منا، وقعوا أيضا تحت تأثير الدهشة والخوف من هذا التواصل المباشر مع القراء، والاحتمالات في الردود مفتوحة على أقصاها، والتواصل لم يعد قائما على فلسفة "أقول كلمتي وأمشي"، عمون بقرائها عكست الآية، وصرنا نكتب، ونقول كلمتنا ولا نمشي، لأننا ومنذ الثانية الأولى لبث أي من مقالاتنا نصبح على تماس مباشر ولا نهائي مع القارئ، أي قارئ كان، ونحن مسؤولون أمامه فيما نكتب، وتحت طائلة المحاسبة المباشرة، وإذا كانت الصحافة سلطة رابعة كما هو الدارج، فإن عمون كأي صحافة إلكترونية تحترم قراءها، خلقت سلطة خامسة، سلطة القارئ!!
كثيرا ما أتصل مع باسل العكور محتجا على رد او تعليق غير لائق، وإن اصطدمت بحماسه المبرر والمنحاز دائما للقارئ، ألجأ إلى سمير، الذي يضع نفسه في موضع التحكيم مستندا إلى خبرة مهنية نقف أمامها انا وباسل باحترام، فإما أن تكون وجهة نظري صائبة، فيشطب التعليق، لأنه خارج عن اللياقة، ولا يقدم قيمة مضافة، أو يبقى التعليق لأنه لم يتجاوز أطر المسؤولية في حرية مصونة بقواعد مهنية وأخلاقية.
في المحصلة..
استطاعت عمون أن تبث "النبض" الإنساني في العالم الإلكتروني الأردني، ومن مقهى في الرابية، وعلى طاولة في الزاوية، كل يوم، سمير وباسل يرتكبان المهنة، على أرجيلة منكهة بالفواكه، وصحتين علينا وعليهم.
mowaten@yahoo.com