اذا اخذنا عينة عشوائية من عدد من الدول: كوريا الجنوبية، الصين، اليابان، بريطانيا، فرنسا، كندا، اميركا، مصر، تركيا، الامارات، السعودية… وقمنا بعقد مقارنة بين اجراءات الحظر فيها وبين اجراءات الحظر بالاردن، سنجد وبسهولة ان اجراءات الحظر الاردنية هي الاكثر تشدداً. نعم اجراءاتنا الصحية هي الاشد على مستوى العالم، كما لو كنا في بحبوحة اقتصادية، او لدينا جبال من الذهب، او اننا نعوم على بحيرات من النفط. حتى الدول الغنية والنفطية التي ضخت مئات المليارات بالاقتصاد لا تفعل ما نفعل، وتعمد الى اجراءات من شأنها ان تخفف على الاقتصاد والناس قدر الامكان. هذا التشدد ليس مدعاة للفخر، فالاقتصاد يكتوي بناره يوميا، والقادم أسوأ واصعب، وقرارنا الصحي يتصرف وكأن كل موارد العالم تحت تصرفه ولا يعي الضيق الاقتصادي التي تسببت به الاجراءات الصحية.
مقارنة اجراءات الحظر الليلي، وحظر ايام الجمع، وادخال كل من يحمل الفيروس للمستشفى وليس الحالات الحرجة فقط، كل هذه الاجراءات وغيرها لا تجدها في معظم دول العالم التي عكفت على اعتماد الحجر المنزلي لانها تدرك ان الفيروس باق معنا، وانه لن يموت، وان جل ما يمكن عمله هو التعايش معه وتحصين المناعة المجتمعية في وجهه.
اما المطار فتلق قصة اخرى، تدلل على التشدد غير المدروس ذي الابعاد الاقتصادية الخطيرة. مطارنا واجراءات الفحص فيه، والعزل في الفنادق بحسب تصنيف الدول، غير معمول به في معظم دول العالم، وكلها اجراءات ستجعل من السفر للاردن امرا عسيرا غير مرغوب، وكأننا نريد رفع العتب فقط، باننا فتحنا المطار ولكن اجراءاتنا تدل اننا لا نريد مسافرين ولا طيران.
الاجراءات الصحية المتشددة تأكل من الرصيد الرسمي بشكل كبير ومتسارع، وقد تحولنا من حالة التلاحم والقبول للقرار الرسمي الصحي الى ما هو عكس ذلك، فترى تندرا وغضبا ورفضا للقرار الصحي الذي بات يوصف باللامنطقي والمغالي بالتشدد. أذية القرار الطبي المتشدد تجاوزت القطاع الصحي فباتت الحكومة بكل قطاعاتها تتضرر بسببه، واصبح وزراء الاقتصاد والنقل والسياحة وغيرهم يلامون لماذا لا تدافعون عن قطاعاتكم ولماذا تقبلون هذا التشدد الصحي غير المنطقي الذي ينهش بالقطاعات الاقتصادية من دون مبرر او مسوغ ذي معنى حقيقي منطقي. هذا يؤشر الى انعدام واضح للتوازن ما بين القرار الصحي والقرار الاقتصادي الذي بدوره انعكس على مستويات التندر لدى قطاعات واسعة من المجتمع ضد القرارات عامة والصحية خاصة.
نحن لسنا دولة نفطية ولا نقوى على ضخ المليارات في الاقتصاد، لذلك يجب ان تكون هذه الحقيقة حاضرة عندما يتم تبني قرارات حظر سواء كانت حظرا ليليا ام ايام الجمع، وايضا عند فتح المطار فالاصل التيسير في عمل المطار والسفر لا وضع عراقيل لمنعه على عكس ما تفعل الدول الاغنى والاقدر منا.
(الغد)