قد يبدو السؤال مفاجئاً بعد عام كامل على تشكيل حكومة الائتلاف اليميني الفاشي، الذي يقف على رأسه بنيامين نتنياهو، زعيم الليكود، الذي لم يكن الحزب الاول في انتخابات شباط 2009 (27 مقعداً مقابل 28 لحزب كاديما بزعامة تسيبي ليفني)، الا ان الاخيرة فشلت في استمالة افيغدور ليبرمان رئيس حزب اسرائيل بيتنا العنصري، ما اتاح لنتنياهو، ان يأتي بائتلاف جمع بين اليمين المتطرف واليسار (ان صح وصف حزب العمل الذي يقوده ايهود باراك باليساري)، ناهيك عن الأحزاب الدينية «الزبائنية» مثل حزب شاس والبيت اليهودي.
يستند نتنياهو الى ائتلاف عريض وغير مسبوق (75) نائباً من اصل 120، هم اعضاء الكنيست، الا ان تهديد حزب العمل بالانسحاب من هذا الائتلاف، «..يجد حزب العمل صعوبات متزايدة في المشاركة بالائتلاف الحكومي الذي انضم اليه من اجل اعادة اطلاق عملية السلام مع الفلسطينيين»، على ما قال شالوم سمحون وزير الزراعة عن حزب العمل يوم الخميس الماضي.. يعني ان امكانية تفكك الائتلاف القائم الآن، واردة.. بل هي اليوم اكثر من أي وقت مضى..
فما الذي استجد حقاً ليهدد حزب ايهود باراك او «مستر أمن» في الانسحاب من الحكومة؟.
من غير الحكمة اولاً استبعاد الازمة الداخلية، التي تعصف بحزب العمل، وحملة الانتقادات اللاذعة، التي توجه لايهود باراك، وتحميله مسؤولية حال الضعف، التي انحدر اليها هذا الحزب، بعد انه لم يستطع تجاوز حاجز الـ 13 نائباً في انتخابات الكنيست الاخيرة (شباط 2009) فيما كان عدد نواب العمل في الكنيست السابقة، وعندما كان عمير بيرتس على رأسه، يصل الى 19.. ما اسهم في تضعضع مكانة الحزب وبروز كتلة «متمردين» تمارس ضغطاً على باراك للانسحاب من الحكومة بعد ان فشلت هذه الكتلة في منع باراك من الانضمام لهذه الحكومة، ما ادى لاستقالة نواب وشخصيات ذات وزن كبير في الحزب، لأن باراك زعم ان بمقدوره التأثير على نتنياهو من داخل الحكومة (في شأن عملية السلام)، اكثر من خارجها، لكن شيئاً من هذا لم يحدث، ولم يعد باراك سوى وزير خارجية نتنياهو (اثر رفض معظم دول العالم التعامل مع ليبرمان)، وفي افضل الحالات مبعوثه الشخصي او حامل رسائله، فيما واصل زعيم حزب الليكود سياسة المراوغة والتضليل واسماع من يريد الاستماع اليه ما يرغبون في سماعه، دع عنك تواصل الاستيطان المكثف في القدس وفي الضفة الغربية المحتلة (معروف ان وزير الدفاع هو الحاكم العسكري للأراضي المحتلة والقرارات المتعلقة بها يجب ان تحظى بموافقته وتوقيعه)..
اضف الى ذلك، ان باراك نفسه لم يقم باخلاء أي مستوطنة من تلك التي توصف بالعشوائية، والتي نصت التفاهمات والاتفاقات و»الخرائط» على تفكيكها كخطوة اولى على طريق تطبيق خريطة الطريق وبناء «الثقة» مع الفلسطينيين تمهيداً للعودة الى طاولة المفاوضات.
الآن، يتمسك حزب العمل بـ (قشة) جوزيف بايدن نائب الرئيس الاميركي، الذي استقبلته اسرائيل بقرار السماح ببناء (1600) وحدة سكنية استيطانية في القدس الشرقية المحتلة..
رأى حزب العمل اخيراً ان «غضب» بايدن مبرر (ليس مهماً لديهم غضب الفلسطينيين او العرب)، واعتبر القرار الاسرائيلي خطأ فادحاً، مطالباً (أي حزب العمل) بدفع حكومة نتنياهو «ثمن» هذا القرار غير الموفق..
فهل ينسحب حزب العمل؟.
الاحتمالات متساوية وليس سراً ان ثمة مفاوضات «جادة» لضم حزب كاديما الى الائتلاف سواء ببذل المزيد من الجهد «الليكودي» لشق هذا الحزب والاستفادة من قانون «موفاز»، الذي اقرته الكنيست مؤخراً، والذي يسمح لسبعة اعضاء كنيست تشكيل كتلة جديدة يتم الاعتراف بها وتمويلها رسميا، ام الاتيان بالحزب كاملاً الى ائتلاف ثلاثي (ليكود، كاديما وحزب العمل) وهو ائتلاف ان قام (نحسب انه مستبعد)، فانه سيتبنى موقفاً «حمائمياً» من مسألة المفاوضات والسلام مع الفلسطينيين.. وهو ما سيسّرع بانشقاق الليكود وتمرد جناح «الفايغليين» على نتنياهو ما يزيد من حذر الاخير المعني بمستقبله السياسي والبقاء في السلطة، حتى لا يتكرر ذهابه الى الصحراء السياسية كما كانت حاله بعد انهيار حكومته الاولى في العام 1997.
حزب العمل قد ينشق هو الآخر، الا ان انسحابه من الائتلاف امر يبدو غير اكيد.
kharroub@jpf.com.jo
الراي ..