ظهرت في بداية السبعينات شركات تصنيع اجهزة الحاسوب وباقي القصة اصبح تاريخ، حيث اصبحت منتجات تلك الشركات جزء اساسي من حياتنا اليومية الحالية وسترسم المستقبل بدون شك، ومن ذلك الوقت بعضهم خرج من السوق بسبب المنافسة الشديدة او عدم مواكبة التطورات المتسارعة في هذه الصناعة، وبعضهم استمر الى يومنا الحالي ويعد من اكبر الشركات المصنعة اما للحواسيب بمختلف اشكالها او لاجزاء تدخل في صناعتها.
قصتنا هنا حصلت في بداية التسعينات مع احد اكبر تلك الشركات وهي شركة انتل لصناعة الرقاقات ومعالجات بنتيوم لاجهزة الحاسوب الغنية عن التعريف، التي لا يخلو تقريبا اي جهاز من احد منتجاتها المعروفة بدقتها وجودتها، وكانت في ذلك الوقت تحلق في عالم التكنولوجيا بمبيعات تجاوزت 10 مليار دولار وكانت تعتبر الشركة الاكبر في العالم في هذا المجال بدون منازع، وبحسب الكتاب الرائع نخبة القادة الاداريين للكاتبين موكول بانديا، وروبي شيل، بانه وخلال مرحلة التصنيع لرقاقات بنتيوم المشهورة واجهت الشركة مشكلة اعتبرها المدير التنفيذي للشركة في ذلك الوقت اندرو غروف مشكلة ثانوية وغير مهمه، تلخصت المشكلة بوجود عيب بالتصنيع في الرقاقات وهي مشكلة صغيرة جدا جدا جدا بحسب قوله، الى درجة ان المستخدم العادي للاجهزة التي تحتوي رقاقات بنتيوم من شركة انتل سيواجه هذه المشكلة مرة كل 27000 سنة عند استخدام الحاسوب، لذا لم يعطي المدير التنفيذي للشركة المشكلة اي اهتمام في ذلك الوقت، ومع مرور الوقت تسرب الخبر للصحافة بشكل غير واضح وعن طريق اشاعات غير مؤكدة، لذا قررت المؤسسة الاعلامية المعروفة CNN زيارة الشركة للتحقق من صحة الخبر، ولم يعطيهم المدير التنفيذي اي اهتمام في ذلك الوقت لاسبابه التي مفادها بان المشكلة بسيطة وصغيرة جدا جدا جدا ولا تحتاج كل هذا الاهتمام ولم يقبل بالادلاء باي تصريح للصحيفة.
انتشرت قصة زيارة الصحفيين من CNN للشركة، وبعد ذلك تفاقمت الامور الى ان نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقال بعنوان "عيب يقلل من دقة رقاقات بنتيوم" الى ذلك الوقت كانت الشركة قد سوقت لاكثر من 2 مليون حاسوب يحتوي على معالج انتل، قام المدير التنفيذي بالادلاء باكثر من تصريح في محاولة خجوله منه لاحتواء المشكلة، ولكن مساعيه باءت بالفشل الذريع حيث اصبحت المشكلة كبيرة ولا يمكن السيطرة عليها، حيث ضج المستخدمين عند سماعهم بالامر واعتبروا انهم تعرضوا للغش والخداع من شركة انتل وحصلت على اموالهم عن طريق بيعهم اجهزة ورقاقات تالفه بحسب ما تم طرحه وترويجه من الصحافة، وطالب المستخدمين الحكومة بالتدخل لاجبار الشركة على التجاوب مع المستخدمين وتبديل المعالجات او اعادة اموال المستهلكين. وحصلت الكارثة!! حيث تدفق جميع المستهلكين الغاضبين على فروع الشركة، وبعد شهور من العناء وتبديل الالاف من الاجهزة تكبدت الشركة خسائر وصلت الى 475 مليون وهو رقم كبير جدا في ذلك الوقت. ولك ان تتخيل الى اي مدى تاثرت سمعة الشركة خلال اشهر ما عرف بأزمة الثقة في شركة انتل. ادارة الازمات فن يبدأ دائما بالاعتراف بالمشكلة بغض النظر عن حجمها من وجهة نظرك. وذكر المدير التنفيذي اندرو غروف في كتابه (Only the paranoid survive)ان تلك الازمة كانت من أسوء التجارب التي خاضها في حياته كمدير تنفيذي.
كم من المدراء التنفيذيين او متخذي القرار في بلداننا اعتبر مشكلة ما صغيرة جدا جدا جدا الى ان اصبحت كبيرة جدا جدا جدا بحيث لم يستطع احتوائها واطاحت به ووضعته في الجانب المظلم من التاريخ؟