"السراب": هل اكتشف إبراهيم وحده ذلك؟!
د. محمد أبو رمان
12-03-2010 03:55 AM
رواية السراب للزميل المبدع إبراهيم غرايبة تتجاوز وصفها عملاً أدبياً إلى وصفها بكتاب سردي توثيقي ممتع لتجربة غرايبة الذاتية مع الحركة الإسلامية عبر قرابة ثلاثة عقود أمضاها في رحاب جماعة الإخوان المسلمين منذ كان فتىً صغيراً إلى أن تعدّى الأربعين مدبّجاً ذلك بفصل "ماذا يعني أن تكون كاتباً إخوانياً في الأربعين من العمر"؟
رواية السراب ممتعة وتحمل القارئ إلى الداخل الإخواني من خلال تجربة شخصية ثريّة تنقّل خلالها غرايبة من الدراسة والعمل الطلابي إلى العمل الإعلامي في "ميادين الجهاد" بباكستان وأفغانستان، ثم العمل التنظيمي الإخواني، والدراسات، وأخيراً الكتابة الصحافية إلى أن ترك الجماعة واتخذ من العمل الفكري والإعلامي، محلّقاً في فضاء الكتب والأفكار والروح بعيداً عن الصُداع التنظيمي، الذي استنزف جهود كثيرٍ من الطاقات وبدّدها.
أحلام غرايبة تنتهي إلى "السراب"، وهو وإن كان لا يفصح عمّا قصده بذلك، إلاّ أنّ قراءة الكتاب ومآلات التجربة التي يبثها بتسلسل جميل في ثناياه تشيان بأنّ المقصود هي أحلام الشباب العربي بتغيير الواقع وتحقيق ما يؤمنون به من أفكار، وفي حالة إبراهيم، تحديداً، فإنّ السراب هو محصّلة زواجه بالإخوان المسلمين خلال ثلاثة عقود.
بالطبع، الرواية (الكتاب) لا تحمل بأيّ حال من الأحوال إدانةً لجماعة الإخوان، أو طابعاً تشكيكياً بوليسياً، كما رأينا في كثير من الأدبيات المسفّة، بقدر ما يحرص أبو جهاد على توفير رؤية نقدية من الداخل من زاوية شخصية، يقدّمها للقارئ العربي وللشباب، لعلّ ذلك يسهم في ترشيدهم وبناء خبرة معرفية تسهم في معرفة مكامن الخلل أو الخطأ.
ذلك، تحديداً، ما يمكن العبور منه إلى تجارب أخرى عديدة لكثير من السياسيين والمثقفين العرب الذين انخرطوا في العمل الحزبي والسياسي، وشيّدوا طموحات واسعة بزمن يحدث فيه التغيير المنشود، لكنّهم انتهوا إلى إحباطات وخيبات أمل، وسجّلوا ما وصلوا إليه في مذكّراتهم وانتهوا إلى مجرّد ذكريات لمرورهم بتجارب سياسية، يروونها لأصدقائهم وأبنائهم.
إبراهيم لم يتقصّد، فيما أظن، في "السراب" أن يبث إحباطه وخيبته من العمل الإسلامي، بقدر ما أراد العبور من تجربته الشخصية إلى طرح الأفكار- الرؤى التي تشكّلت لديه في الشروط والأسس لتطوير الحركات الإسلامية وطروحاتها الفكرية والسياسية ولصُلب عملها الاجتماعي والدعوي والسياسي.
في سياق طرحه الجديد، يقدّم إبراهيم تصوراً مختلفاً لما تطرحه الحركات الإسلامية عن مفهوم "الدولة الإسلامية"، التي مثّلت، خلال العقود السابقة، "يوتوبيا الشباب المسلم"، كما تكرّس ذلك في أدبيات الحركة وأفكار الشهيد سيد قطب التي تغلغت في أجيالٍ منها.
بينما إبراهيم يشدّد على أنّ النظام الأساسي لجماعة الإخوان المسلمين لم يكن ينصّ على مصطلح "الدولة الإسلامية"، إنّما "الدولة الصالحة". ويرى أنّ النظام الإسلامي ليس أحكاماً جاهزة للتطبيق، ولكنه قواعد عامة ومقاصد كلية وأهداف وغايات وفلسفة يسعى المسلمون إلى تطبيقها.
من هذا الإدراك يصل إبراهيم إلى أنّ الإصلاح يدور اليوم حول تطوير قدرات المجتمعات في تنظيم نفسها والوصول إلى احتياجاتها والنهوض والتنمية في ظل تراجع دور الحكومات. وتلك هي القضية الرئيسة في الصراع السياسي اليوم الذي يلخصه بعنوان "مجتمعات في مواجهة السلطات والشركات"، وهو ما يجب أن تنذر الحركات الإسلامية نفسها له.
قيمة "السراب" تتعدّى الجانب الأدبي الروائي والتوثيقي- التاريخي إلى تقديم أفكار متطورّة يمكن أن تشكّل في يوم من الأيام قفزة نوعية في مسار العمل الإسلامي، كتلك التي حدثت لدى حزب العدالة والتنمية التركي، عندما تجاوز كثيراً من المقولات والمسلّمات التي دارت عليها الحركة الإسلامية في تركيا، فأحدث الاختراق المطلوب.
m.aburumman@alghad.jo
الغد ..