لا أذيع سرا اذا أعلنت حيرتي عن اختيار عنوان مناسب لمقالتي في بادئ الأمر، وكنت سأطلق العنان للقارئ اختيار ما يراه كل وفق قناعاته ومن أي زاوية يراها، بعد أن تداخلت خيوط المعادلة ببعضها وأصبح من المتعذر وضع النقاط على الحروف بين أسطر شائكة ومتشابكة.
وبات معروفا أكثر من اللازم أن هناك قوى غير مرئية، تخطط وترسم وتدفع بما تجود به نفسها إلى العلن من خلال غرف ومنصات خلفية، تبدو وكأنها مخرجات طبيعية لأدوات تنفيذية، ارتضت لنفسها لعب هذا الدور واستساغته، حتى ترتدي ثوب الاعتيادية والدستورية.
المصالح المتبادلة بين الأطراف المعنية هي من توجه المركب وفق أهوائها، في الوقت الذي تبرز فيه أبواق مأجورة تتطوع ومن باب التمويه إلى شد الأنظار باتجاه يناقض خط سير ما هو متفق عليه، وتدس السم في الدسم من أجل خلق حالة هلامية لا أساس لها على أرض الواقع بهدف خلط الأوراق ليصعب لملمتها وتوظيبها للوصول إلى الحلقة المفقودة التي لم تعد كذلك، بفضل حالة الوعي العام والمقدرة على ربط الخيوط ببعضها، رغم محاولات البعض قطع الطريق وممارسة سياسة التضليل والدسائس.
من الطبيعي أن ينشب الخلاف أحيانا بين الأطراف المتصارعة على الصلاحيات تجاه بعض القضايا لكنها تبقى في اطارها الشكلي، ويبقى التطابق والتوافق التام على المضمون والجوهر، مع ممارسات من شأنها أن تذكي سياسة التمويه التي يتقن البعض فن اجادتها، بغية حرف البوصلة ولو بشكل مؤقت لخدمة أجندات بعضها واضح أبلج والآخر قاب قوسين أو أدنى.
منذ سنوات طوال ونحن نسمع عن حكومات ظل كانت تنازع الحكومة الفعلية صلاحياتها إلى أن نجحت وباتت تمارس دور السلطة التنفيذية صاحبة الولاية العامة، إذ تشكلت حكومات منزوعة الدسم لا تسمن ولا تغني من جوع، ووقفت مكبلة اليدين بعد أن تم إضعافها بشكل مدروس لصالح قوى وأطراف أخرى.
وبعد العجز عن إيجاد منظومة إدارية تعظّم من قيم العدالة وترسيخ المفهوم والبعد المؤسسي في إدارة الشأن العام، فُتح الباب على مصراعيه أمام المحسوبيات والتجاوزات وتعالت إثر ذلك أصوات لا زالت خجولة، تدعو إلى ضرورة العمل على تغيير النهج حتى تتحمل الحكومات مسؤولياتها الكاملة، وتمارس دورها الحقيقي بموجب الصلاحيات التي منحت لها دستوريا، إذ لا زالت بعض الحكومات تصر على تقمص دور المنفذ دون أي إجراء من جانبها يعزز من دورها ويفرض من هيبتها بالقانون.
مظاهر تراجع الأداء الحكومي بات ملحوظا على الصعد كافة ولم يعد مقصورا على صعيد بعينه، بعد أن تم الدفع بالمحظيين إلى الواجهة رغم افتقارهم إلى أبرز المقومات القيادية وسط عجز تام عن صناعة أي موقف أو اتخاذ أي قرار.
سلة الحكومات باتت فارغة لا ثمار فيها، وعلى أي حكومة قادمة أن تنظر من حولها وتسترد ما سلب من سلتها بإرادتها أو رغما عنها في وضح النهار.