الملك يقود عربة السياسة الخارجية وسط "حقل ألغام"
شحاده أبو بقر
05-09-2020 04:08 PM
منذ احتلال الكويت عام 1990 فقد الشرق الأوسط كله، إتزانه الذي كان، وأخذ حقل ألغام سياسي عسكري يتشكل تدريجيا وفي منطقتنا العربية وما حولها جراء ما شهدت من حروب ومواقف مستجدة ألقت جميعها بأعباء سياسية اقتصادية كبرى على كاهل بلدنا وشعبنا، وأخذ الأردن يواجه أنواعا شتى من حصار معلن وآخر غير معلن.
ثم تفجر لاحقا جحيم مستمر يسمونه ربيع العرب! فوجد الأردن ذاته حائرا أين يتجه وماذا يفعل، فحتى الكلمة والهمسة صارت محسوبة وذات أثر سلبي على مجمل علاقاته مع هذا الطرف أو ذاك، داخل الإقليم وخارجه وعلى حد سواء لا يرحم، فالعلاقة مع هذا الشقيق أو ذاك، تحكمها كلمة أو حتى همسة مع ما يترتب على ذلك من تبعات سلبية يجسدها موقعنا الجيوسياسي، وواقعنا العروبي التقليدي التاريخي الذي تحتم مبادؤنا كدولة، الالتصاق به وعدم التنازل أو التخلي عن الوفاء به.
ذلك هو تاريخنا على امتداد ثلاثة عقود صعبة وعسيرة مضت حتى الآن. وهنا وجدت القيادة الملك عبدالله الثاني نفسه كمن يقود عربة وسط حقل ألغام مطلوب منه أن يخرج بها سالمة، وبأقل الخسائر، وإن أمكن فبشيء من الربح برغم هول التحدي وجسامة المهمة ومخاطرها.
قاد الملك العربة إن جاز التعبير، بمنهجية (صفر أعداء باستثناء العدو التاريخي، وصفر خصوم أيضا) ونجح.
والأردن اليوم وبحمد الله، ليس له أعداء عرب ومسلمون ولا حتى أجانب متنفذون، وليس له خصوم بالمعني الواضخ للمخاصمة، والملك قد يكون القائد الشرق أوسطي الوحيد الذي يملك ركوب الطائرة والتوجه مباشرة إلى أي من عواصم الشرق والغرب بلا استثناء وعلى الرحب والسعة.
هذا إنجاز كبير لا يتجاهله غير جاحد، فالأردني أيضا يملك أن يسافر في كل العالم العربي وغير العربي ولا يرف له جفن ولا يجري إصطحابه إلى حجرة أمنية، بمعنى نحن وبلدنا "نظاف" من أية تهمة إلا من ظالم ربما هو فريسة للإشاعات أو هو حاقد أصلا.
عندما تسير عربتنا وسط حقل ألغام قاتل وخطير ولا نتعرض لخطر والحمد لله، فذلك واقع يجب أن نشكر الله العلي العظيم كله، وأن نقر بأن السبب هو سياسة خارجية راشدة اختطها الملك رأس الدولة وقائد الوطن.
نعم، يعاني بلدنا مشكلات داخلية عديدة ليس أقلها الفقر والبطالة والمديونية والفساد وحاجتنا إلى الإصلاح المستمر، لكن ذلك كله قابل للحل وللمعالجة وبالحوار الموضوعي الذي يضع حدا لسائر أسباب معاناتنا. لكن كل ذلك لا يلغي حقيقة خروجنا حتى الآن من المخاطر التي تعصف بالإقليم وأنهكت وما زالت شعوبا شقيقة، سالمين بوعي شعبنا وتشبثه بأمن وطنه وجهود قيادته.
باختصار، الملك يقود علاقات خارجية حساسة جدا وسط حقل ألغام أودى بالكثيرين وللأسف، وهو ما لا نتمناه لبلدنا بتعاوننا وتلاحم صفنا والجلوس معا بنيات صافية لمعالجة سائر مواطن شكوانا. وهذا ما يتطلب كبارا راشدين وطنيين يجيدون عفة الموقف والكلمة في تداول شؤوننا ووضع الحلول الوطنية السليمة لمطالب شعبنا. الله من وراء قصدي.