حالات قليلة حديثة ونادرة تلك التي إعتُرِف فيها بوجود حقيقيّ للمسؤولية السياسية أو الأدبية في واقعنا، وتم توظيف هذا المصطلح في مرات محدودة.
وكأي مصطلح مستحدث غير متفق على ماهيته داخليّاً، يلوَّح بهذه المسؤولية لتحميل الحكومات أي تقصير أو إهمال يقع من قبلها حتى وإن كان وراءه موظف صغير يفصل بينه وبين الوزير أو مدير المُنشأة درجات وظيفية وأفواج من المسؤولين.
حيث يذهب فريق لاستخدامها بشكل موسّع وآخرٌ يسعى لتقييد وتقليل استعمالها حتى لا يُكَبَّل المسؤولون بقيود تحول دون اتخاذهم القرار، وبين الفريقين يكون التطبيق الأمثل اتفاقاً مع قاعدة (لا إفراط ولا تفريط).
وأرى أن هذه المسؤولية ليست أخلاقية بحتة كما يُتخيّل، بل تكميليّة لما جاء به الدستور والقانون، فمجلس الوزراء هو المعنيّ بإدارة شؤون الدولة سنداً للدستور، كما تضمنت القوانين العامة والخاصة مسؤوليّات مترابطة كمسؤولية المتبوع عن أعمال التابع ، وتعرضت القوانين إلى حالة تعدّي الموظف العامّ أو تقصيره وانسحاب تلك المسؤوليّة إلى المسؤول الأعلى في بعض الأحوال واعتبارها مُفترضة حُكماً ما لم يرد الدّليل على عكسها، لذا فهي - المسؤولية السياسية - مستنبطة من المنطق القانونيّ قبل السّياسيّ اتّفاقاً مع مبدأ (تحمُّل التّبعة).
ففي ماهيتها وإصطلاحها، اتُّفق على تقريب تلك المسؤولية من الوازع الأخلاقيّ الخارج عن الأطر القانونية، الجزائية والمدنية - رغم اختلافي مع ذلك كما سلف -، لكنها في المجمل تعزيز للحالة الذهنيّة المتيقظة لدى المسؤولين، وفي ذات الوقت أداة سياسية تنزع فتائل الأزمات وتبرّد الشارع.
أخيراً، يرى البعض أن التضحية بمسؤول أو حتى حكومة هو تعسّفٌ وتعجُّلٌ في الحكم على مسيرة لابدّ وأن تُقيَّم كوحدة واحدة بإيجابيّاتها وسلبيّاتها، ويتفق الباقون من خارج إطار السُّلطة على ضرورة تحمّل هذه المسؤوليّة لتكون رادعاً للمهمل أو المقصّر وزاجراً لغيره من بعده، وهنا تشترك المسؤوليتان القانونية والسياسية في الأثر، كما أن تغليب المصلحة العامّة على الخاصّة كقاعدة عريضة مستقرة تؤدّي بنا إلى استساغة التضحية بمسؤول أو أكثر لغايات تسكين المشهد من جهة وضخّ الدماء الجديدة التي تعلمت من تجربة غيرها من جهة أُخرى.
الخلاصة، أن المسؤولية الأدبية أو السياسية ركنٌ من أركان الوظيفة العامة، ترتبط بها حصانة البقاء والاستمرار بمدى الحرص والمتابعة، ونرجو أن تصبح سنّة وحقيقة يُخشى منها وتُحسَبُ لها الحسابات، وأن تكون مبادرة من أصحابها في سبيل خير الوطن.
والله من وراء القصد
(الرأي)