أنحن بحاجة إلى أوصياء علينا؟
فايز الفايز
03-09-2020 12:19 AM
الأصل في أن تكون إنسانا هو أن تكون مستقلا بالرأي والفعل والغاية، ولكن في العالم العربي تنقلب الموازين، فالأغلبية العظمى كمواطنين يخضعون إلى معايير التبعية الحاكمية في التقليد والخطى على مسار الأجداد، حتى لو باعد الزمن ما بنى الأجداد والأحفاد عشرات السنين، واليوم لا زلنا نرى أن الحكومات هي الأب الذي يشبه رواية السيد الذي دخل المغارة وترك لاتباعه تعاليم غير مفهومة ولا معروفة ومحاطة بمحاذير عاشورائية ولطميات دموية للتكفير عن ذنب لم يقترفه أحد.
اليوم ونحن نرى كيف تحول العرب إلى رعايا تحت وصاية الوصي التابع، قد نطالب بالتبعية المباشرة للوصي الأصلي الذي يقرر ما علينا فعله وما يجب أن نفكر به وما لا يجب أن نقوم به وما هو خير لنا وما هو شرّ علينا، وهكذا نتخلص من التبعية الفرعية للحكومات ومن تحتها للقوانين ومن بعدها للأبوة الفاقدة للحنان والرعاية، ولكن هل يقبل أحد بنا من أولئك الأوصياء السياسيين عن بعد؟
لن أضرب المثل بما يجري في بلدنا، فالحكومات جاءت وكأنهم لم يتحكموا يوما ولم يقرروا ولم ينفذوا، وكل منهم تحصن بحكم براءة في بطانة جيبه، ومهما حدث لنا من حوادث الزمان وضيق المكان وقحط في المال وسوء المآل، فليسوا مسؤولين عنه في أي حال من الأحوال، بل بما يجري حولنا من دول باتت كمكعبات الثلج تذوب شيئا فشيئا.
لنأخذ مثالا من لبنان الشقيق، الذي مرّت عليه زلازل هادمة منذ عقود بائسة حتى وقع انفجار مرفأ بيروت الكارثي، فما قبل الانفجار وقع الشعب ضحية للانفجار الاقتصادي وضياع أموال الشعب والمودعين في المصارف وتبخر مليارات الدولارات، وكان لبعض الأردنيين حصة من ذلك العقاب هناك، ولم يئن لأهل الحل والعقد هناك ان يتفقوا على شيء،حتى جاءهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بقدميه لمرتين خلال شهر، وهدد الجميع بعقوبات إن لم يعودوا الى رشدهم ويحلوا مشاكلهم ويعلنوا عن حقيقة السرقات الكبرى.
ماكرون بث للجميع رسالة مفادها أن فيروز تعادل كل الحكومات والرئاسات، وأن حرية النشر الصحفي المسيء مُصانة قانونيا في بلده، وهذا ليس بجديد فالوصاية قديمة قِدم التاريخ، فرئيس الوزراء الفرنسي والشاعر الشهير «فونسوا لامارتين» قد زار لبنان وجلس تحت أرزه قبل مئة وخمسين عاما وأخذ من أشتال الأرز وزرع شخصيات له في تلك الديار، قبل الاستعمار الفرنسي بسبعين عاما، وهاهو يهدد بعدم تحويل أي مساعدات مالية إن لم يتأدب الجميع ويعترفوا: «وين راحت المصاري».
ليس لبنان وحده المنكوب شعبا وأرضا، بل بات الجميع نسخة مقاربة عنه في عالم عربي من المحيط إلى الخليج لا يستطيع وضع سياسات لتصحيح المسار الاقتصادي أو السياسي، دون أي تأييد وإشادة من جماعة ماكرون الذي يصغُر الرئيس ميشال عون بواحد وأربعين عاما.
الرأي