ما أن انتهى الرئيس عمر الرزاز من حديثه في إطلالته الأسبوعية المتلفزة وخلاصتها «التعايش مع كورونا» كخيار حتى ثارت عاصفة من الجدل, بين مؤيد ومعارض غير أن الجدل الأهم هو ذاك الذي دار في داخل الحكومة نفسها.
ليس سرا أن في داخل الحكومة موقفين الأول ويحمل لواءه الفريق الصحي ويقول أنه من المبكر إتباع أسلوب التعايش, أما الثاني وهو الاقتصادي فيقول أن لا بد من التعايش مع الوباء اليوم وليس غدا.
وبين سلامة الأرواح وسلامة الاقتصاد يقف الرئيس الرزاز في المنتصف, وقد اختار أخيرا أن يأخذ بكلا الموقفين ويضمنهما مصفوفة جديدة من الإجراءات, فهل اكتشفت الحكومة أن الثمن الاقتصادي للإغلاق أكبر بكثير من الأثر الصحي؟.
يمكن قراءة هذه الحيرة بانتظار الحسم في تصريحات الرئيس نفسه عندما يقول «أن إغلاق الاقتصاد ومنع الحركة والعزل الكامل غير مجدٍ صحيّاً ولا اقتصاديّاً على المدى المتوسط أو الطويل وأن العالم كله يعد نفسه للتعايش والتكيف والتأقلم مع جائحة كورونا بدل القضاء عليها على المدى القصير».
حتى اللحظة الخيارات مفتوحة فهي مرتبطة من ناحية بتسارع زيادة عدد الإصابات جغرافيا ومن ناحية أخرى استمرار تسجيل الاقتصاد لخسائر تتضاعف يوما بعد يوم, لكن هل المراجعة التي قصدها الرئيس تتضمن العودة الكاملة للحياة الطبيعية مع الإبقاء على درجة عالية من التشدد في الالتزام الصحي, وهل ستهي المصفوفة الجديدة العمل بأوامر الدفاع؟.
النزال الطويل مع وباء كورونا على حد وصف الرئيس الرزاز لن ينتهي إلا مع إكتشاف لقاح لكن النزال الأطول مع الأثار الإقتصادية يحتاج الى سنوات وأظنه لن ينتهي الا بتغييرات شاملة تتأهب لإنقلاب بدأت ملامحه على النظريات والنماذج الإقتصادية السائدة منذ الحرب العالمية الثانية.
الأردن كما الدول عليه أن يبدأ منذ الأن بتهيئة الميدان لمعركة من نوع آخر وهي التي تمس الإقتصاد بشكل أساسي وهي بظني أكثر شراسة من «النزال الطويل» مع كورونا الذي بدأت دول العالم تقتنع بان التعايش مع الفيروس خيار يفرض نفسه إذ لم يعد ممكناً تحمل الإغلاق الكامل، أو شبه الكامل، أو حتى الجزئي، للحياة والاقتصاد والحدود.
التعايش مع كورونا في مقابل درء مخاطر الجوع والبطالة والفقر وهذه توقعات ليست بعيدة, وقد بدأت فعلا التحذيرات من هذه الفيروسات الفتاكة تنطلق بقوة وتضع العالم أمام مفترق طرق.
الرأي