أيلول .. رداء ذا أكمام قصيرة
د . ردينة بطارسة
01-09-2020 05:22 PM
أيلول ...تجتمع في أيامه الثلاثين كل المتناقضات ، فهو شهر الحب والفراق ، حيث يقتفي الصيف خطوات شمسه الملتهبه لاهثا محاولا إقناع الغافلين أنها ما زالت تلسع بالرغم من إقتراب موعد الرحيل ، وينبههم بأن يتموا ما خططوا له في ربيعهم المغتال على يد كورونا اللعينة ، وفي خواتيمه تتندى مساطيح العنب و تتسابق الأيدي الصغيرة تبحث عن حبات تين منسية اختبئت في تلافيف الورق.
في أيلول يقدمون لنا تذاكر مجانية تدخلنا في مزاج من الحيرة ، وتضربنا التساؤلات عما نشعر به حقا هل نحن فرحين بالغيم يغشى فوق مغاريبنا ، أم نتظاهر بالزهو و التباهي بأثوابنا المخملية الثمينة ،حيث يوحي ملمسها بالدفىء وإقتراب تباشير الشتاء بينما تنطق أكمامها القصيرة بإبتسامة صيفية متأخرة.
هو أيلول ...كان له ومنذ القديم نصيبا من إنشغالات الشعراء والأدباء والحكماء ،كتبو عنه وغنوا له وربطوه بالبدايات والنهايات ، حيث أتوا مرارا على ذكر أوراقه الصفراء واصفين ألمها عند فراق أمهاتها من الشجر ورحلة سقوطها جثث هامده تحت أقدام البشر , تغزلوا برائحة الأرض المعطرة بعد أول عناق مع حبات المطر ، وتسابقت الجميلات للتغريد برائعة فيروز ، عن ذهبه المشغول تحت الشبابيك ، وأبدع شاعر المرأة نزار عندما تهدج وهو يصف إستفزازه في حضور إمرأة كثيرة الكلام ... مشبها ذلك برائحة القهوة فوق الورق اليابس .
دفاتر أيلول متناقضة في أنواعها ومحتواها، منها تلك الدفاتر الجميلة في حقائب طلاب المدارس عائدين إلى مقاعدهم وصفوفهم ومعلميهم و نوع آخر ثكلى بالذكريات المؤلمة، أحداث ومعارك وأشهر كانت على شكل أيلول الأسود مرت في تاريخ الأمم ، كان القتل والدمار وويلات على البشرية عنوان لها في سنين مرت ، بالمقابل سأخبركم عني شخصيا فقد حفلت رزنامتي بالفرح مكرر مرتين في أيلول، حيث عرفت الأمومة في أيلول و تم الإعلان في بيتي عن قدوم أغلى ما أملك من ملئوا حياتي بالحب والحنان.
نعم، هو شهر التناقضات، حتى أنه وإن كان خريف لمعظم الأزهار والأشجار ، إلا أن زهرة ورد الغريب إختارته توقيتا لتفتحها ، تجدها بألوانها الزاهية تعوض فقر الحدائق بلوحة جميلة من الأصفر والوردي والأورجواني.
لأيلول حكايات كثيرة عن قلوب منكسرة ، وقصص حب عابرة كتبت نهايتها على شرفات المنازل في سهرات الصيف وعلى جدران مجموعات الواتس أب ، حسابات أقفلت و صفحات طويت في مساءات أيلول ، عبارات مجزؤة بين الصد والصلح ورسائل لم ترسل ..وهناك تحت الياسمينه على مدخل حارتنا بقايا من أكواب كرتونية ، إقتطعت منها حوافها ولونت دواخلها بقايا قهوة ، تركوها شاربيها هنا كإشارة لمن جلسوا وتسامروا وتآمروا وتندروا وتصافحوا وتناثروا الضحكات حتى الصباح ، جارات أو صديقات ، شباب أم صبايا ، عشاق أم متعاتبين ، كلهم بإنتظار اللقاء المؤجل حتى يعود صيف جديد بموعد جديد .
أتمنى لكم أيلولا مليئا بالأمان والإنجاز ، خاليا من الجراحات والإخفاقات ، دافئا وحنون حتى لو أنه رداء ذات أكمام قصيرة