المعلم من وجيه إلى مجرم .. كلنا مسؤولون!!
محمد حسن التل
10-03-2010 03:05 AM
حالة العنف التي تطفو على السطح بين الحين والآخر في مدارسنا ، ويكون المعلم طرفاَ أساسياً فيها ، وبدأت تأخذ طابع الظاهرة ، تؤشر على منعطف خطير في مسيرتنا التربوية ، التي انحرفت منذ زمن طويل عن مسيرتها ، وكانت أولى إشارات هذا الانحراف ، إغفال دور المعلم الحقيقي والأساسي ، في بناء المجتمع ، واختلال النظرة لأهمية دوره.
لقد تركنا المعلم يخسر كل شيء ، بدءاً من موقعه الاجتماعي ، وانتهاءً بدخله المادي ، الذي تآكل بشكل جعله في أدنى سلم الدخول ، وبالتالي أصبح المعلم ، ليس من الطبقة ذات الدخل المحدود ، بل من الطبقة المسحوقة ، مما دفع المعلم المحترم - في معظم الأحيان - إلى أن يعمل سائقاً لتاكسي بعد الدوام ، أو عاملاً في فرن ، أو محاسباً في سوبرماركت. وكثيراً من المهن ، التي لا تتناسب مع وظيفته الأساس ، أو يقع تحت ضغوط الدروس الخصوصية ، وبالتالي تحت ابتزاز الطلاب وأولياء أمورهم ، ويقدم التنازلات تلو الأخرى ، حتى يستطيع أن يؤمًّن لأسرته حياة شبه كريمة.
منذ عقود ووضع المعلم المعنوي في مجتمعنا يتآكل ، أمام سطوة المهن الأخرى ، وبما انه مُخّ العملية التربوية: فقد تراجعت هذه العملية ، بل انزلقت في وادْ سحيق ، واتسع الفتق على الراتق ، والكل يتفرج ، اللهم باسثناء المبادرات الملكية التي ظهرت مؤخراً ، على يدي جلالة الملك عبد الله الثاني وجلالة الملكة رانيا العبدالله ، حيث يولي القصر هذا الملف اهتماماً كبيراً.
لقد استأسد التلميذ على المعلم ، في معظم الحالات المعنوية والمادية ، حيث انقلبت المعادلة وتشوهت الصورة ، وأمام تهميش صورة المعلم ، تراجعت بشكل حاد نظرة المجتمع إليه ، وانهارت قيمته المعنوية بين الناس ، حتى باتت الكثير من العائلات ، ترفض حتى تزويجه ، بحجة وضعه الاجتماعي المتدني والدخل المادي الضعيف ، وبالتالي فقد المعلم ثقته بنفسه ، وأدى ذلك إلى فقدان ارتباطه الروحي بمهمته المقدسة ، وأصبح الكثير من المعلمين ، يمارسون سلوكات بعيدة وغريبة ، عن مكانة ومهابة العملية التربوية ، التي كنا نباهي بها الدنيا.
لقد كان المعلم وجيهاً في مجتمعه ، يلجأ إليه الناس في حل كل مشاكلهم الاجتماعية ، لأنه كان يتبوأ مكانة متقدمة في السلم الاجتماعي ، ونظرة الناس إليه ، قبل أن تمارس على دوره ، عمليات التفريغ والتشويه.
المعلم اليوم أصبح لا يفرق كثيراً من الناس بنظرتهم إليه ، عن المجرم في كثير من الاحيان ، نتيجة لكثرة الحوادث التي تقع في مدارسنا ، ويكون المعلم في غالبها - كما قلت - طرفاً أساساً والمعتدي،. هل من المعقول أن تعلن منظمة اليونيسيف ، أن 300 ألف طالب ، يتعرضون سنوياً ، في مدارس الأردن ، للعنف بكافة أشكاله الجسدية والنفسية ، ونبقى مكتوفي الأيدي ، دون دراسة حقيقية لأسباب هذا العنف ، لاجتثاثه من جذوره ، فالفرق كبير بين أن يهاب التلميذ المعلم ، وبين أن يكون خائفاً مرعوباً منه.
لقد ظُلم المعلم في جميع النواحي ، حتى التشريعية ، حيث أغفل التشريع على مدار عقود طويلة ، تطوير دور المعلم وتحصينه ، أمام الانفجار المجتمعي ، الذي يجتاح حياتنا ، وبالطبع أثر ذلك على أدائه وسلوكه ونظرته إلى مهنته.
لا نستطيع ان نفهم ، لماذا مثلا ، حُرم المعلم من الوصول إلى الدرجة الخاصة الا بعد عشر سنوات من بقائه في الدرجة الاولى ، عن دون موظفي الدولة، ونادرا ما يصل المعلم إلى هذه الدرجة قبل التقاعد. ولماذا لا يستفيد المعلم ، من القروض السكنية ، التي تقدمها الدولة ، إلا بعد خدمة طويلة تتجاوز 20 عاماً ، أي بعد ان يكون قد أُنهك على مدار السنوات الطويلة ، وبدأ يفكر بالتقاعد ، أليس الأجدر بنا ، أن نؤمًّن له حياة كريمة ، وهو في عزّ عطائه ، حتى يؤدي دوره بروح مرتاحة وثّابة.
إننا نطالب باعادة الهيبة إلى المعلم ودوره ، ولا يأتي ذلك إلا بدعمه ، على كافة المستويات المعنوية والمادية ، على أسس تشريعية متطورة ، تحصّنه وتعيده إلى ما كان عليه ، قبل الحالة المزرية التي تجتاح أحواله ، وبالتالي انعكست على مجمل العملية التربوية.
علينا أن نعترف أننا جميعاً مسؤولون عن الحالة ، التي وصلت إليها أوضاع المعلم ، وكيف تحوّلت صورته في أذهان كثيرين ، إلى مجرم يؤذي تلاميذه بدل ان يربيهم ويعلمهم ، وإذا بقينا ندير الظهر إلى هذا الواقع ، ذي الصورة القاتمة ونكتفي بالتنظير الذي لا فائدة منه: فسندفع الثمن جميعاً.
الزميل الكاتب رئيس تحرير يومية الدستور ..