صرح أمين عام حزب الله اللبناني حسن نصرالله، بأن مليشيات الحزب "لن تدخل في اشتباكات على الحدود لأن هذا ما تريده اسرائيل". (المصدر: وسائل الاعلام).
هذا يعني ان حزب الله لم يعد معنيا بالاشتباك مع اسرائيل. تصريح حسن نصرالله ترك قرار الحرب بيد اسرائيل وحدها، مكتفيا فقط بردات محدودة ومحسوبة بدقة متناهية: اذا قتلت اسرائيل احد افراد حزب الله، فان المليشيات ستأخذ بالثار وتقتل جنديا اسرائيليا. وبطبيعة الحال اذا رمت اسرائيل تفاحة من فوق السياج الحدودي على افراد الحزب، فسيرمي افراد الحزب حبة تفاح او زهرة قنب لتهدئة اعصاب العساكر الاسرائليين. النتيجه، أن الحزب قد تخلى عن خيار الحرب بما في ذلك الحرب لتحرير فلسطين وهو الشعار والهدف الذي طالما رفعه واستمد منه شرعيته الاقليمية.
السلطة الفلسطينية من جهتها، استبعدت منذ أمد بعيد خيار المقاومة المسلحة من استراتيجيتها كما عبر عن ذلك قادتها مرارا وتكرارا. بل إنها تنخرط "دون استخدام طاقية اخفاء" بتعاون أمني مع السلطات الاسرائيلية التي تحتل الضفة الغربية بموجب اتفاقية اوسلو. هذا التعاون يتطلب اعتقال النشطاء والمقاومين وتسليمهم الى اسرائيل.
أيضا، قادة حماس في غزة لم يختلفوا عن نظرائهم في رام الله، حيث ابدوا استعدادهم للوصول الى هدنة طويلة الامد مع "العدو الصهيوني" حسب تعبيرهم. تعبير "هدنة طويلة الامد" مفتوح على كل ما يقترحه الخيال: سبع سنين، سبعين سنه، سبعمائة سنة. كما انهم صرحوا علانية وتكرارا، بأن هناك تفاهمات امنية بين حركة حماس واسرائيل، يتم بموجبها ادارة المناوشات على الحدود. كل العقلاء يعرفون ان المناوشات بين حماس واسرائيل تصنف تحت عنوان "بزنس از بزنس" وبما يخدم حاجة الطرفين بين آن وآخر سواء كانت انتخابية او للحصول على تبرعات مالية سخية.
وفي نفس السياق فإن ايران، ومنذ استطاع الخميني وملالي ايران الاستيلاء على الحكم فيها وهم يُعدون ويستعدون لتحرير فلسطين خاصة القدس. ولتحقيق هذا الهدف حسب مزاعمهم، لم يتوقفوا عن شراء وتصنيع الصواريخ، ودخلوا في لعبة الغماية مع الدول الغربية للتحايل لصنع قنابل نووية لتفعل في اسرائيل ما فعلته طير ابابيل في جيش ابرهة الاجدب. للتذكير: الشيعة لا يؤمنون بالمسجد الاقصى لأن الذي بناه الخليفة الاموي عبدالملك بن مروان، ولأن الذي فتحها عمر بن الخطاب.
برغم كل ما تتباهى به ايران عن قدراتها العسكرية فقد تكرر ضربها ليلا ونهارا في سوريا والعراق وحتى في ايران نفسها، وتم اغتيال عشرات من علمائها من قبل اسرائيل، ولم يتم تسيير جيوش لتحرير فلسطين وانهاء وجود اسرائيل كما يزعمون.
السؤال المشروع الذي من حق كافة المهتمين بمصير القضية الفلسطينية وبالصراع العربي الاسرائيلي، الذين طالما علقوا امالهم بتحرير فلسطين في رقبة المنظمات الاسلامية الجهادية وقلعة محاربة الشياطين ايران، هو ما مبرر تكديس السلاح من صواريخ وبالونات حرق المزروعات وحفر انفاق التهريب وجعله الشغل الشاغل للدول والحركات الاسلامية وانفاق معظم الموازنات عليه، طالما ان الحرب غير مقدور عليها، وغير مرغوبة اصلا؟ وما مبرر الدمار الذي تتسبب به الالعاب النارية والبالونات البلهاء من حين لآخر والتضحية بالارواح والممتلكات والبنية التحتية والفوقية للبنانيين والغزاويين؟
يستنتج مما سبق ذكره أن خيار الصراع مع اسرائيل قد اسقطه الساسة الفلسطينيون انفسهم من كافة الاطياف العقائدية، كما ان الجلوس مع الاسرائليين والتفاوض معهم يعتبر ممارسة شبه يومية بين الفلسطنيين والاسرائليين منذ ستينات القرن الماضي حتى توج باتفاقية اوسلو التي سابقوا بها الاردن، مما اضطره الى توقيع اتفاقية وادي عربة غير المنصفة للاردن وخاصة في قطاع المياه.
اصبح واضحا أن الساسة الفلسطينيون قد ارتاحوا لحالة اللاحرب واللاسلام . هذا الوضع تحول الى ورقة توت سترت عورة الحكام العرب الخائفين من اعلان قناعاتهم الحقيقية طيلة السنوات الخمسين الماضية. وبما ان ورقة التوت لا بد ان تصفر وتذبل وينتشها الهواء، فإنه لا بد أن تأتي اللحظة المناسبة لكشف الاوراق، وإظهار الشجاعة التي يتطلبها القرار، لقول ما حدا احسن من حدا، وأن احتكار منح صكوك الغفران وأوسمة الوطنية، أو وصمة الخيانة التي اعتاد الفلسطينيون على اصدارها fame or shame لم يعد مقبولا.
خيار اللاحرب واللاسلام هو خيار منافق من ناحية، ومكلف ومرهق للشعوب العربية ماليا واقتصاديا وسياسيا. فقد كلفها حقوقها الاساسية في الحرية والعدالة والمساواة ومستوى معيشة افضل، وأخضعها لأنظمة حكم عسكرية انقلابية استبدادية على مدى سبعين عاما. كافة الانقلابيين كتبوا على دباباتهم شعار تحرير فلسطين في الوقت الذي كسروا فيه البوصلة التي تدل على موقع فلسطين وحرقوا خارطة فلسطين.
إذا، لماذا تَفاجأَ من تفاجأ حين تحولت معادلة التعامل بين اسرائيل والعرب لتصبح كما يريدها وعبر عنها نتنياهو: السلام مقابل السلام؟ طالما أن اسرائيل وحدها، هي من احتفظ لنفسه بخيار الحرب، وفي نفس الوقت لم تتوقف ومن موقع قوة، عن عرض، والقبول بخيار السلام مقابل السلام. اسرائيل لا ينقصها السلام الواقعي، فهي من القوة الفعلية ما يجعلها تنام ليلها الطويل دون قلق. اسرائيل معنية فقط بالسلام القانوني وبثمار السلام القانوني.
يتسائل احدهم، هل يوجد فرق بين هدنة السلطة الفلسطينية مع اسرائيل وهدنة حماس مع اسرائيل؟ فلماذا تُخون احداهما الاخرى؟ وبالتتابع، هل يوجد فرق بين التفاهمات الامنية بين حزب حسن نصرالله وبين اسرائيل من ناحية والتفاهمات التي يمكن ان يتوصل اليها الحريري او جنبلاط مع اسرائيل؟
وبنفس السياق؟ لماذا تلام وتُخونُ دول عربية كالامارات او السودان او الجزائر او تونس او الاردن او مصر على عقد معاهدات صلح مع اسرائيل والتطبيع معها طالما ان اصحاب القضية قد وقعوا اتفاقيات مماثلة منذ عقود وطبعوا منذ عقود؟ دعونا نفهم حتى يتسنى لنا ان نُكفر من تكفرون، ونفرح لمن يدخلون، ممن ترشحون، الجنة بسلام آمنين. المصيبة تحدث عندما يكذب الرائد اهله.