تبدو محاولات إرجاء الانتخابات اقوى مما يتصور البعض، تأتي معظمها من الاشخاص او القوى المستفيدة من استمرار الوضع الحالي على ما هو عليه، هذه القوى لم تيأس رغم صدور الارادة الملكية بإجراء الانتخابات وتحديد موعدها من قبل الهيئة المستقلة للانتخابات، تستند في حجتها لمعدلات تفشي الوباء وتزايدها ما أعطى خطابها شيئا من المنطق فحجتها هي ذاتها التي يستخدمها صناع القرار عند الحديث عن مستقبل الانتخابات وانعقادها. بالرغم من كل ذلك، فنظرة لتاريخ الدولة الاردنية وآليات صناع القرار فيها تجدنا نؤمن ان الانتخابات ستنعقد كما اعلنت الا اذا جرى ما هو غير متوقع وطارئ يضغط على اجندة الجميع. ثمة ادراك عميق لدى الدولة بضرورات الانتخابات ضمن رؤية سياسية استراتيجية شاملة تتجاوز الحسابات قصيرة النظر واحيانا اللئيمة التي يتبناها دعاة التأجيل.
اهم واوضح اسباب انعقاد الانتخابات الالتزام بالاستحقاقات الدستورية وبصدقية الحفاظ عليها، بالاضافة للضرورة الوطنية الملحة بوجود مجلس تشريعي ورقابي عامل، لقد توقف العمل التشريعي منذ شهر آذار الماضي ما يعني توقفا لإصدار القوانين الضرورية لحاجات البلد، ولنا ان نتخيل عديدا من القوانين او تعديلات القوانين المتوقفة الآن بسبب توقف عمل البرلمان، كما ان استحقاق قانون الموازنة الحاسم قادم قبل نهاية العام بموازنة تشير التوقعات إلى انها ستكون غير سابقاتها نظرا للظرف الاقتصادي والمالي الحرج الذي نمر به، بالطبع إن الحاجة تتعاظم لوجود البرلمان لأغراض التشريع لأن التعديلات الدستورية الاخيرة قررت عدم اصدار قوانين مؤقتة ما يحمي البرلمان ويقويه ويملي ضرورة وجوده.
الدور الرقابي للبرلمان لا يقل اهمية، وفي غمرة العديد من القرارات التنفيذية فإن وجود رقابة برلمانية كان من شأنه مساءلة هذه القرارات ومحاججتها، واعطاء فرصة للحكومة ومنبر للرد والتوضيح والتفنيد، هذا كله مفقود الآن ولوجوده اهمية وطنية كبيرة. لقد ترك هذا الشأن برمته للاعلام وحده في هذه المرحلة وهو اداة رقابة ومساءلة مهمة لكنها لا تعوض الرقابة الدستورية الرسمية لمجلس الامة على اعمال السلطة التنفيذية.
من الاسباب الاخرى التي تساق لضرورات عقد الانتخابات الاوضاع الاقتصادية الضاغطة ورغبة الناس في التعبير عن ضيقهم من خلال انتخاب من يعتقدون أنه سوف يسائل القرار ويساعدهم. الضيق الاقتصادي الذي عمقته ازمة كورونا يلقي بظلاله على كل الحياة العامة والمجتمع، وسوف نلمس الأثر الكبير لذلك في الحملات الانتخابية وتفاعل المجتمع معها ما سيجعل اجواء الانتخابات شعبوية مليئة بالمبالغات والتخيلات. تأجيل الانتخابات سيجعل الامور اكثر سوءا، لأن العام القادم هو عام المعاناة الاقتصادية العميقة التي ستتفوق على الاوضاع الاقتصادية السيئة للعام الحالي. كما ان العام القادم قد يشهد عودة مغتربين أردنيين ممن اجهزت على اعمالهم كورونا، ما يعني زيادة الحنق الاقتصادي سيخلق اجواء سلبية غير ايجابية للانتخابات. الافضل الانتهاء من الاستحقاق الانتخابي الآن هذا العام لأن الاوضاع الاقتصادية مرشحة ان تشتد سوءا وتعمق اجواء الانتخابات السلبية.
الغد