بعد خمس سنوات على نشرها في صحيفة الغد، صدرت اخيرا مذكرات رئيس الوزراء السابق مضر بدران في كتاب جامع حمل بعض الإضافات والتعديلات.
ينسب الفضل في تدوين سيرة”رجل القرار” للزميل والصديق محمد الرواشدة الذي نجح بإقناع الرجل الكتوم بتسجيل مذكراته من ضابط في الجيش ثم في دائرة المخابرات العامة مؤسسا ومديرا، ومن بعد تجربته الطويلة وزيرا ورئيسا للوزراء في محطات مفصلية من تاريخ الأردن.
ورغم الجدل الذي صاحب نشرها في صحيفة الغد، إلا أن صدورها بكتاب لم يكن أقل تفاعلا، فقد حظي باهتمام أوساط واسعة.
قدم الدكتور خالد الكركي الكتاب بنص أدبي وسياسي مؤثر ومشوق، والكركي عايش بدران عن قرب وكان وزيرا في فريقه الحكومي، ناهيك عن دوره اللامع في حقبة الراحل الكبير الحسين بن طلال ثم رئيسا للديوان في عهد الملك عبدالله الثاني.
المقدمة الثانية كانت للزميل الرواشدة، الذي أمضى مئات الساعات بمعية أبو عماد يدون ويسأل ويسرد سيرة طويلة وثرية.التقط الرواشدة سر شخصية وتجربة مضر بدران ولخصها بفقرة تختزل مسيرته الطويلة وفلسفته في الحكم، تصلح لأن نسميها نظرية بدران.
يقول الرواشدة، وهنا أقتبس”في تجربة بدران السياسية هناك شواهد كثيرة على مسيرته مع”القرار”، إذ ينحت الرجل مفهوما جديدا مغايرا لمفهوم الولاية العامة، وهو مفهوم صاحب القرار”.
بهذا المعنى العميق يحسم بدران جدل الولاية العامة المستمر في الأردن، والذي جرى تحريفه في كثير من الأحيان ليكون مفهوما تصداميا مع ثوابت الدستور. الولاية العامة بالنسبة لبدران كانت المسؤولية في اتخاذ القرار وتحمل نتائجه.
وقوة المنطق في هذه النظرية أنها اختبرت في مرحلتين مختلفتين تماما، مرحلة الأحكام العرفية، ومرحلة التحول الديمقراطي وعودة الحياة النيابية. وفي المرحلتين تلازمت السلطة مع المسؤولية، والقوة في اتخاذ القرار.
والمفارقة التي تستحق التأمل في تجربة الأردن مع التحول الديمقراطي أن الرجلين اللذين قادا أكثر مراحلها حساسية ينتميان للمؤسسة العسكرية والأمنية في الأصل، وهما: الأمير زيد بن شاكر القائد العام للقوات المسلحة لردح من الزمن الذي أشرف على إجراء انتخابات نيابية شكلت محطة فاصلة في تاريخ البلاد، ومن بعده مضر بدران الذي شكل أول حكومة بعد انتخابات 1989 . وفي تاريخ الحكومات الأردنية تجربة قصير لكن لاتقل أهمية لمدير المخابرات السابق الاستاذ أحمد عبيدات الذي شكل حكومة في منتصف الثمانينيات، ولوكتب لها البقاء طويلا لتركت أثرا كبيرا في مسيرة الأردن.
ليس كل مايعرف يقال، وهذا ينطبق على مذكرات بدران وسواه من الساسة الكبار، هنا وفي دول العالم كلها.لكن في سيرة بدران التي ترويها المذكرات تفاصيل ومعلومات ومواقف تشكل في مجملها درسا عميقا في السياسة والإدارة والحكم.
ولعل النقطة المركزية في هذا المسار أن الخبرة المتراكمة في العمل العام وفي أجهزة الدولة تشكل أساسا لابد منه لكل من يتولى المواقع المتقدمة في الدولة.
لايمكن للأشخاص الطارئين على المؤسسات أن يحققوا الفرق المطلوب حتى وإن امتلكوا ناصية العلم، خاصة إذا كان الموقع بحجم ووزن رئيس وزراء ووزير.
الغد