عند الحديث عن حمى المناصب، يقفز موضوع الوظائف الإدارية والسياسية إلى الأذهان. ويُعَدُّ موضوع شَغْل المناصب الإدارية من المواضيع التي تستأثر باهتمام كثير من المواطنين في كل بلدان العالم، ويقترن ذلك بالحديث عن التمثيل الجهوي والمناطقي والطائفي. ويتجلى ذلك أيضاً من خلال الانتخابات البلدية والنيابية التي تظهر فيها التكتلات والصراعات هنا وهناك.
ومن المخجل والمؤسف أن تبدأ تلك الحمى بالانتقال إلى بعض الاكاديميين؛ فهناك حمى مناصب تدبُّ في قيادات مؤسساتٍ أكاديميةٍ منذ عدّة شهور، أدّتْ إلى صراع وتنافس غير شريف، تم فيه استخدام أسلحة مخزية لا تليق بالأكاديميين كنشر الشائعات المغرضة، وقلب الحقائق والافتراءات، وحتى محاولات اغتيال الشخصية، حيث يدور صراع على مسرح بعض المؤسسات الأكاديمية، سَبَّبَ لها تراجعاً كبيراً نتيجة إشغال إدارتها بأمورٍ جانبية، معظمها تم اختلاقه من قبل بعض المغرضين، وقد حال ذلك نسبياً دون تطوير تلك المؤسسات وتألقها وتحسين سمعتها على الصعيدين الأردني والعربي، مع ضرورة التأكيد على أنّ جامعاتنا ينبغي أن تستمر في تحقيق الرفعة والتقدم لتصل الى مصاف الجامعات العالمية.
لقد أصبح الوصول الى المناصب باعتقاد بعض الأكاديميين، يتم من خلال استخدامهم أساليب غير أخلاقية كالقدح والذم والنقد الجارح والتصيّد في الماء العكر. أما عندما يصل هؤلاء الناقدون المتحذلقون إلى مواقع إدارية، كانوا قد أجهدوا أنفسهم بالوصول إليها، وربما بأساليب غير مشروعةٍ مليئةٍ بالخداع والتضليل، نجد أن ألسنتهم قد قُطِعت من حلوقهم، ولم يعودوا يحركون ساكناً.
إن انشغال رأس الهرم في إدارة المؤسسات الأكاديمية في مثل هذه الصراعات البائسة، ينعكس سلباً على الموارد البشرية والمادية للمؤسسة، وتُعَدُّ الموارد المالية والموارد البشرية من اهم المصادر الاساسية لاي مؤسسة من المؤسسات، والمحافظة على تنميتهما من معايير النجاح والتقدم، وتحرص ادارات المؤسسات على ايجاد حالة من التوازن والانسجام، وتحقيق توافق داخل كل مصدر من هذه المصادر الاساسية .
وتوكد المدارس الادارية الحديثة وجوب ان يكون هناك توازنٌ في حجم الموارد وقوتها المالية، وكذلك الموارد البشرية التي يجب استقطابها ضمن الاسس والمبادىء والكفاءات والشروط الواجب توفرها في هذه الموارد.
وتسعى المؤسسات دائما إلى تحقيق الرضا الوظيفي داخل المؤسسة، وذلك بالبدء بتحقيق رضا الجمهور على الصعيدين الداخلي الخارجي، اضافة الى حرصها الشديد على صيانة الموارد والبُعدأن عن كل اشكال الفساد المالي أو الاداري، وتجنيب الجمهور الداخلي جميع اشكال الصراعات والاستقطابات، لأن الصراعات والتصدعات داخلها يؤدي الى شل المؤسسة.
ومن المؤسف ان كثيرا من المؤسسات العامة، وتحديدا بعض المؤسسات الأكاديمية الجامعية، تبقى اداراتها منشغلة في الصراع الذي ينشب في غرفة القيادة فيها بسبب سوء اختيار اعضاء الادارة، مما يشل حركتها ويعيق تقدمها، ويكبدها خسائر مادية ضخمة، وترتفع مديونتها اضعافاً مضاعفة، وتتوقف عجلة التقدم فيها، وتعجز عن تحقيق اهدافها التي تسعى إلى تحقيقها.
ومن المؤلم ان بعض الاكاديميين ممن اصابتهم حمى المناصب، وزادت شهيتهم لها، تجدهم يقومون بالعمل على وضع العصي في عجلة قيادة المؤسسة، ويوجهون جام غضبهم ضدَّ القيادة، وعندما يدخلون إلى غرفة القيادة ويصبحون من اصحاب القرار، يتحولون الى اشخاص ظالمين مستبدين، وتبدأ ماكنة الظلم والتجني بالدوران، فيسيرون بالامور وفقا لاهوائهم ومصالحهم الخاصة، ولا يستطيعون ان يكونوا كالذين وصفوهم بالامس بالفساد والإفساد ومن ناصبوهم العداء، بل تكون قراراتهم اشد ظلما بأضعافٍ مضاعفة، واكثر وجعا وسوءاً.
وقد نشبت في الآونة الاخيرة صراعات كبيرة في ادارات بعض الجامعات الحكومية، من اصحاب القرار فيها، مما أربك قيادة المؤسسة التي اخذت تعالج الخراب الاداري والمالي الذي احدثته الصراعات، مما دفعها الى اجراء عمليات جراحية لاجتثاث كل المعيقات التي انتشرت بجسم المؤسسة كالسرطان، ورفد المؤسسة بدماء نقيةٍ جديدة.
وقد شهدت غرف القيادة في بعض الجامعات الرسمية صراعات، واندلعت نيران حاقدة بين اقطاب القيادات فيها، حيث اصبحت المؤسسة مسرحا لتبادل الاتهامات، وتشكيل مراكز قوى كيدية، على اسس جهوية احيانا، ومناطقية أو أسس ايدلوجية، او على أسس تبادل المصالح والمنافع الخاصة.
وكل واحد من هؤلاء الموتورين يحاول جاهدا ان يثبت انه الافضل وصاحب القرار الرشيد، وانه يريد ان يقوّم اعوجاج الاخر، مستندا إلى أجنداته الشخصية التي يبدأ تصفحها، متناسيا عن قصد ودون قصد اجندات المصلحة الوطنية، وتجد ان الاخرين من اعضاء المؤسسة متفرجون، تجسيدا للقول الشائع "حيد عن ظهري بسيطة"، وترى قذائف الاتهمات تتطاير من فوق رؤوسهم من قبل الطرفين المتصارعين على اجنداتهم الشخصية الواضحة، ومسرح الصراع يكون المؤسسة، والخاسر الاكبر حاضر ومستقبل المؤسسة والباقي من العاملين في المؤسسة في غرفة المتفرجين.
ورغم ان الطموح الشخصي حق شرعي للوصول الى تحقيق الذات، وتسلم المناصب، لانه يتفق تماما مع تكوين النفس الانسانية للفرد واطاره المعرفي، والله سبحانه وتعالى يقول:
(وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ) "المطففين :26 " ، لكن التنافس المبني على النبل والطهر والخلق لتحقيق المصلحة العامة، وليس المصلحة الشخصية .
وتستمر مسرحيات الصراع بمشاهدها المتعددة، بحيث اخذت تدار من طرف ثالث، بينما نجد جمهور المتفرجين من اعضاء المؤسسة منقسما على نفسه هنا وهناك، ويبقى راس الهرم في الادارة صامتا دون ان يتدخل بشيء، مما يجعل الجميع ينظر الى كل اطراف الصراع بالريبة والشك، وبشكل اساسي لرئيس الهرم الذي يدير المؤسسة بنموذج الادارة الديمقراطية المتسامحة، واعتبر بعضهم ان صمت راس الهرم بالادارة ضعف، ولا يعلمون ان الصمت احيانا قوة في علاج اورام المؤسسة السرطانية.
والذي يحزن النفس أن بعض القادة الاداريين ممن يرفعون شعارات براقة عند تسلم منصبه، يأخذ بطرح شعارات خاوية المحتوى، رغم ان ظاهرها النزاهة والعدالة، وباطنها الظلام والاجحاف، بعيدا عن الموضوعية والحكمة والاتزان .
كما اخذ بعض اطراف القيادة بتشكيل لوبيات واتخاذ قرارات غير منصفة، لا تتفق ابدا مع معايير الحق والعدل والخير، وتتعارض أقواله مع اعماله وتصرفاته، بحيث يدير الامور من اجل تحقيق مآربه ومصالحه الشخصية، وليس في مصلحة العمل بل لتحقيق الشهرة .
والاكثر ايلاماً ووجعاً ان بعض القادة الاداريين في جامعاتنا تحديدا من الذين رفعوا شعارات العدالة ومحاربة الفساد، والدفاع عن المظلومين، وعندما صعدوا إلى منصةِ القيادة، كشروا عن انيابهم واخذوا يظلمون من لم يظلمهم، واخذوا ينظفون جلودهم من الانذارات والعقوبات ويغرسون السّم في قلوب الاشراف والنبلاء من الاداريين، وحتى وهم يغادرون مواقعهم يطلقون سهام الغدر في قلب حياة الابرياء، ويسعون جاهدين لقلب عربة القيادة التي كانت تقلهم بالامس، في غياب كامل لضمائرهم الخاويۃ.