أنت واقف في الشارع: تنتظر أحداً.. في لحظات الانتظار تتخيل أن كل الذين يمرون: ينظرون إليك دون سواك: وتتخيل أنهم يقولون: شو بسوّي هون أو هان..؟؟ مع أنك لا تلوي إلا على الانتظار.. لذا تشعر بالتحسس من كل هذه العيون التي "تخردقك".. مع احتمال أنهم لا ينظرون إليك.. بس خلص في جن راكبك أنك المقصود..،،.
تدخل مطعماً.. يعطونك "المنيو ـ شايفين أنا بحكي انجليزي".. تنظر إلى المنيو طويلاً.. تفتش عن وجبة طعام.. والحقيقة أنك لا تفتش عن وجبة ولا تنظر إلى اسمها.. عيونك تبحث عن الأسعار.. بل أنت كل تركيزك على جهة السعر.. وعندما يعود إليك الجرسون تتخيل أن المطعم كله بما فيه الزبائن ينظرون إليك وينتظرون حضرتك "إيش رايح تطلب".. تتحول الثواني التي يقف فيها الجرسون فوق رأسك إلى زمن بطيء وثقيل دم.. فتضطر إلى إنك تقول في كل مرّة "نص جاجة"..،،.
تدخل بالصدفة محل ألبان.. تسأل الذي على الكاش: سمعت عندكم عروض..؟ وبعد عدة جمل تسأله: يعني الجبنة البيضا هذيك عليها عرض..؟ يقول لك: الجبنة النابلسية.. آه عليها..؟ أول مرة أسمع في جبنة نابلسية.. تذهب للذي يوزّن الطلبات: نص كيلو نابلسية..،، يسألك: بدك إياها طريّة ؟ فتقول له: أكيد لأنني بلا أسنان..،، يخرج علبة ويملأها لك لبنة مش جبنة.. تحاول أن تحتج ولكن كل الأنظار في المحل ترمقك.. حتى إللي على الكاش ينظر إليك بابتسامة صفراء ولا يصحح الموقف أوا لخطأ..؟، فتسكت وتأخذ اللبنة على بياض..،،.
هذه التفاصيل الصغيرة التي تضعك في إحراج مع نفسك.. تحدث لك مع زوجتك أيضاً.. فذات مرة كنت "فارط من الجوع" وذهبنا في زيارة إلى عائلة فوضعوا "المقلوبة" أمامنا.. فقالت زوجتي على سبيل المجاملة: ليش غلّبتوا حالكو: قبل شوية ماكلين..،، فقال لنا المضيف: كلوا على قد خاطركو..،، أكلتُ أكمن لقمة فقط لأنني أحسستُ بأني لو زودتُ قليلاً "رح نطلع مش قبل شوية ماكلين" ولا أريد أن أثير تعليقات خلفي علينا.. والأدهى والأمر.. أننا نمنا تلك الليلة عند دار أختها وأنا من عادتي لا أفطر في الصباح.. فلما وضعوا الفطور أمامي: قالت: كامل ما بيفطر الصبح..،، فقلت لهم: صحيح أنا لا أفطر صباحاً..،، واستحيت وما أفطرت.. وأنا رجل لا أغير مبادئي.. ولكنها نست إنني على لحم بطني من إمبارح الظهر..،،.
الدستور