بدأ حي الأرامل منطقة سكنية راقية في مطلع سبعينيات القرن الماضي، ومع عهد الرئيس أحمد حسن البكر وفي منتصف ذلك العقد جرى توزيع المساكن على ذوي الدخل المحدود، وفي الثمانينيات أتت الحرب العراقية الايرانية على حالة تلك المنطقة الواقعة جنوب الرمادي بمحافظة الانبار في العراق اذ اصبح ملاذا بائسا للفقراء وللعائلات الثكلى.
ثم تكفل الحصار في التسعينيات بإضافة تشوهات اكثر على واقع "الحياة" في هذا الحي، أما الاحتلال الاميركي قبل سبع سنوات فشكل الرصاصة الاخيرة التي أُطلقت على حي الارامل وجعلت ساكنيه قشة تذروها الرياح.
لا صرف صحيا ولا ماء ولا كهرباء ولا رواتب للأيتام والأرامل الذين أجبروا على التكيف مع التقلبات والتاريخ القسري، وأمسى إنسان الحي مهمشا وعنوانا فاضحا لبؤس أداء النخب وهزلها كلما تقدمت السنون.
ولا تختلف البيئة المحيطة بالحي كثيرا، فالرمادي وغيرها من مدن العراق وقراه طالها التهميش وانعدام البنية التحتية حتى في حدودها الدنيا، وسط تفشي الفساد والاتجار بالأوطان وغياب اي مشروع اقتصادي حقيقي للانسان الذي يئن ولا يجد من يسمع أنينه.
ويصاب من يجول في الجغرافيا العراقية بواقعها الحالي بالذهول عندما يرى انحسار نهر الفرات وتلوث مياهه، وذات الذهول يستمر عندما تنقطع الكهرباء بين لحظة وأخرى، وكأن قدر حضارة ما بين الرافدين أن تتحول الى العتمة في الالفية الثالثة للميلاد، اما المكاره الصحية فهي مشهد دائم امام بيوت عدد غير قليل من العراقيين، فيما الشوارع تعج بالتراب والاوساخ والتعرجات في ظل انعدام التنظيم رغم مرور انتخابات بلدية وبرلمانية عديدة اطلق فيها الكثير من الوعود والاكاذيب.
محافظة الأنبار كبرى المحافظات العراقية التي تمتد على مساحة 134 الف كيلومتر مربع لا تملك فندقا واحدا، وأجمل ما فيها طيبة إنسانها وبساطته وكرمه الذي لا يعرف الحدود رغم ضيق ذات اليد.
وليس انسان العراق وحيدا في دوامة الظلم تلك، فثمة عشوائيات في القاهرة وليست البنية التحتية وواقع العيش في دمشق افضل حالا، وما يزال معاش الفلسطينيين مسلوبا كما أرضهم وثمة مهمشون وفقراء في دول نفطية عربية.
وأزعم ان تلاشي الطبقة الوسطى في بلادنا يتقارب مع ذات الضعف، فيما المغرب العربي - ومثله المشرق - يرزح تحت الأمية والفساد والضحية في نهاية الأمر الإنسان والمستقبل المجهول.
هذا التشابه الذي يلف المحيط العربي بقيود التخلف والرداءة يحتاج الى وقفة تحليل لا سيما أن السؤال الأخلاقي يبقى قائما ومفتوحا ومفاده أن كل التقلبات السياسية تأتي على أكتاف الناس البسطاء.
فمن المسؤول عن عدم تغيير الاوضاع وعن عدم تحسين حياة الناس التي ترتبط ارتباطا وثيقا بانتكاسات متعددة صنعتها نخب سياسية لم تصل الى الحكم عبر صناديق الاقتراع، ولماذا كل هذه الجلبة وأحاديث السياسة والإصلاح.
حي الأرامل ماركة عربية غير مسجلة للاقصاء والتهميش، والمأمول أن لا تتسرب تلك العلامة "التجارية" أكثر وأكثر في مجتمعاتنا، وأن يتم الإصرار دوما على ربط تقييم أداء السياسيين بمقدار ما يقدمونه لتحسين شروط حياة الناس، وأن يكون الإنسان هدف عملية التنمية وأداتها.
hassan.shobaki@alghad.jo
الغد