مشكلتنا في هذه الحياة الدنيا الغرور , أن منا من هو على يقين تام من أن الله جلت قدرته موجود وهو خالق الوجود الذي سيعود كل منا إليه يوما لا محالة ليرى موقعه في الآخرة , ومنا من هو غافل " جرفته " الدنيا ومغانمها وزينتها الزائلة حتما فنسي أو هو متناس أن عجائب قدرته سبحانه أعظم من كل قدرة هو خالقها .
بين الصنفين الأول والثاني فروق هائلة جدا , فالأول منه من يعتقد خطأ حتى وهو مؤمن , بأنه وأستغفر الله سلفا , وكيل موكل بأمر البشر يكفر من يشاء ويعاقب من يشاء , ومنه من عرف قدره في كون لا يعادل عند الله جل جلاله جناح بعوضه , فتوجه إلى الله كما يجب وأراح وارتاح وفوض أمره كله إليه لا إله إلا هو تبارك وتعالى .
أفضل ما يمكن أن يقاربه المرء في حياته وأيا كان موقعه وزمانه وأحواله , هو " الصمت " في خلوة ولو لساعة أو أقل بين كل فينة وسواها , والدخول في مناجاة مع الله الخالق المصور حول واقع هذا المرء وعلاقته مع العامة وهل في هذا مرضاة الله أم سخطه والعياذ به سبحانه .
الجلوس مع النفس فقط , فيه أصدق حديث بين النفس الأمارة بالسوء , وذاتها , فلا رتوش ولا أقنعة من تلك التي نرتديها عند لقاء الآخرين ونتحلل منها عند الخلوة بالنفس وحسب حيث لا رقيب ولا حسيب من بشر , والله هو الرقيب والحسيب يسمع ويرى ويمهل ولا يهمل .
الصمت عن كل كلام خلا مناجاة الله العلي العظيم الذي تقول الحكمة في شأنه " إفعل ما شئت فإنك حتما ستكون يوما في لقاء مع الله بمفردك " , هوجلاب الخوارق ومطهر النفوس من كل أدرانها حيث لا نفاق ولا تزلف ولا رياء ولا إستئثار إلا بالفوز بمرضاة الله , وفي هذا الفوز العظيم الذي لا قبله ولا بعده أو مثله فوز .
نقول هذا ليس موعظة ولا تنظيرا على أي كان من خلق الله , وإنما هو مقترح لأن نجرب الخلوة مع الله خالقنا بتجرد كامل ونبتهل إليه جل جلاله , أن يهدينا سواء السبيل كي نلقاه سبحانه بقلوب سليمة يوم لا شفيع ولا ونيس ولا نصير سواه . في لحظة لا أحد منا يدري متى هيه .
خلاصة القول : نحن اليوم في جدال عقيم وعراك كبير على الدنيا ومكاسبها , يلوم منا الآخر ويشتمه ويتهمه ولا يحلو لنا الجلوس " ولا أعمم " , إلا بنهش سمعة بعضنا بعضا , ولا يحمي أحدنا من سخط أحدنا الآخر إلا وجهه خوفا من مشكلة أو شجار , وأنا من هؤلاء ولا أزكي نفسي لا قدر الله .
نعم , الصمت بتحلل تام من كل الدنيا وأدرانها وكل ما فيها , يجلب الخوارق , ويقول للمرء , من هو , ورحم الله عبدا عرف نفسه وقدرها ومآلها ذات لحظة إلى بارئها جل جلاله ليجلس للحساب , فإما خير, وإما شر , ولا حول ولا قوة إلا بالله .