المسارات المهنية بعد إقرارها، نقطة تحول في مسار التعليم العالي
الدكتور مفضي المومني
28-08-2020 08:07 PM
مشروع وطني بامتياز وعلامة فارقة في تطوير وإصلاح التعليم العالي في بلدنا؛ (مشروع التطوير الوظيفي في المسارات المهنية،التجسير والنفاذيه ومنح الشهادات المهنية) الذي وافق عليه مجلس التعليم العالي منذ أيام، والذي سبق واقترحته وتقدمت به جامعة البلقاء التطبيقية لوزارة التعليم العالي ومجلس التعليم العالي، ليكون مشروعاً وطنيا وعلامة فارقة في مسيرة تطور التعليم العالي الأردني، ونحن نرى ونتألم جميعاً لمسيرة التعليم العالي الأكاديمي وانفلاته، والذي يغذي خريجوه سوق البطالة، واصبحت غالبية تخصصاته في كلاسيكية ومكرره ولا يطلبها سوق العمل، سوق التطور التكنولوجي المتسارع والجيل الرابع والخامس سوق الذكاء الصناعي والتكنولوجيا المتقدمةوالبيانات الضخمة، حيث استشعرت جامعة البلقاء الحاجة للتغيير ومواكبة وتلبية احتياجات سوق العمل المحلي والاقليمي والعالمي والذي عماده التعليم المهني والتقني المتطور، وقد دخل هذا المقترح بمراحل عدة قبل تقديمه حيث عرض على الكليات الوطنية (العامة والخاصة والتابعه للقوات المسلحة الأردنية ووكالة الغوث الأردنية وخبراء في التعليم التقني والتطبيقي والمهني والهندسي، حيث التقوا جميعا وعمداء هذه الكليات والخبراء في مركز جامعة البلقاء التطبيقية واثنوا على المقترح وطالبوا بالسير في اجراءات إقراره.
ويعتبر هذا المشروع مشروعا تقدميا ريادياً للتعليم التقني والمهني لكافة الطلبة الملتحقين في المسارات التقنية والمهنية والأكاديمية للحصول على الشهادات المهنية (دبلوم، بكالوريوس، ماجستير ، دكتوراه- مهني) والذي سيتيح التشاركية الحقيقية بين القطاعين العام والخاص لتحقيق اهداف التكامل الوطنية بين الموارد البشرية والمادية، وكذلك التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة.
ولم يأتي هذا المشروع من فراغ فهو نتاج للخطة التنفيذية للجامعة والتي تهدف إلى إصلاح قطاع التعليم التقني والتطبيقي وتجويد مخرجاته، بما يتوائم مع متطلبات الإستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية، الى جانب إتاحة الفرص للطلبة للحصول على أعلى الشهادات في التعليم التقني والمهني، دون المرور من نافذة «التجسير الجامعي» والذي تم تقنينه فعليا ووصل إلى 5% هذه السنة وفي طريقه للتوقف، وبعد إقرار المقترح فسيتم الاستغناء عنه نهائيا، ويستطيع الطلبة الأختيار في مسيرتهم بين المسار الأكاديمي الحالي او المسار المهني الذي تم إقراره، ومواصلة التحصيل بتشاركية مؤثرة في تطوير سوق العمل من خلال ما يوفره المسار المهني المقترح من امكانيات تأهيل مهني في الدرجات من الدبلوم الى البكالوريوس إلى الماجستير والدكتوراه المهنية، مع ربط محكم بسوق العمل ونفاذيه مرنة بين المسارات، وسنوات يتم اقرارها لتواجد الخريج في العمل والدراسة او على التوازي،وهذا المشروع يعزز فرص الحصول على تعليم تقني ومهني بدرجات توازي تلك المطروحة في المسار الأكاديمي، وهذه الدرجات الجامعية للشهادات المهنية (الدبلوم والبكالوريوس والماجستير والدكتوراه) المهنية تعادل الدرجات العلمية في المسار الأكاديمي ، من خلال توطينها في الإطار الوطني للمؤهلات، الذي تم اقراره وطنيا، وتطبقه هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي، ويتيح المشروع للطلبة الناجحين في الثانوية العامة (المسار الأكاديمي، والمسار المهني)، الإلتحاق في المسارات المهنية في الجامعات والكليات التقنية، ضمن الشروط التي سيقرها مجلس التعليم العالي لاحقاً، كما أن برنامج المسارات المهنية سيتيح للطالب الملتحق بالكليات الجامعية المتوسطة، خياراً ثالثاً، بالإضافة الى الانخراط في سوق العمل والالتحاق بالجامعات ضمن المسار الأكاديمي، بالإلتحاق في المسارات المهنية للحصول على درجة البكالوريوس المهني والمتابعة باتجاه رأسي مهني، ويتيح المسار المهني للطالب الإلتحاق في الجامعات التقنية للحصول على الشهادات المهنية التي تكافئ المهارات المكتسبة من سوق العمل، والمشروع سيحل مشكلة الطلبة غير الناجحين في امتحان الثانوية العامة في المسار الأكاديمي وكذلك الطلبة خريجي المدارس الثانوية المهنية ومؤسسات التدريب المهني ممن لم يحققوا شروط الالتحاق بالجامعات، بأن يتقدموا وظيفيا وتأهيلياً للحصول على الدرجات المهنية الموازية للأكاديمية، والمسكنة في الإطار الوطني للمؤهلات الذي تم اعتماده، من خلال إمتحان تأهيلي سيتم أعتماده لدخول بوابة المسارات المهنية والحصول على درجاتها، ومشروع مسار التعليم المهني المقترح يمكن جميع فئات الطلبة وبعد مزاولتهم للعمل في مجال تخصصهم لفترة زمنية، وبعد اجتيازهم للإمتحان التأهيلي، الإلتحاق بجامعات تقنية، ضمن الأسس التي تقر لهذه الغاية لاحقا، ويتيح المشروع المقترح للطلبة الملتحقين بالمسار الأكاديمي على مستوى درجة البكالوريوس الأكاديمية الانتقال الى المسار المهني للحصول على شهادة البكالوريوس المهني في اي سنة من سنوات الدراسة، وهذا النموذج يفتح الآفاق لكافة الملتحقين في سوق العمل من التأهل والتطور من خلال الجامعات التقنية ومشروع المسارات المهنية للحصول على درجات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه المهنية ضمن مسار خاص لهم يعادل هذه الدرجات في المسار الأكاديمي والمسكنة في الإطار الوطني للمؤهلات كما أسلفت،وسيحقق نظام المسارات المهنية تطبيقا حقيقيا للنفاذية بين المسارات، وتشاركية فعلية مع القطاع الخاص في تأهيل التقنيين والمهنين، وسيتم ايضا الإستغناء عن برنامج الدبلوم الفني الذي اقترحته جامعة البلقاء لحل مشكلة الطلبة الذين لم يجتازوا امتحان الثانوية العامة، ومعروف أن خريجي الكليات الجامعية المتوسطة تجاوز المئة ألف خريج، ويعملون في قطاع الإنتاج والخدمات في القطاعين العام والخاص، وسيلبي المسار طموحهم الوظيفي والإجتماعي في تطوير انفسهم ومهاراتهم من خلال هذا المقترح.
وهذا المشروع الوطني الذي تم إقراره، سيشكل نقطة تحول في تاريخ التعليم الأردني وسيكون أول تطبيق ملموس لمعطيات الإطار الوطني للمؤهلات، وبما يلبي الخطة التتفيذية للإستراتيجيه الوطنية لتنمية الموارد البشرية والتي أطلقت برعاية ملكية ساميه تغطي الفترة من 2016 إلى 2025، وهذا المقترح هو من افضل التجارب والممارسات العالمية المطبقة في الكثير من الدول الصناعية المتقدمة ونسبة عالية من مخترعاتها يسجلها خريجو المسارات المهنية،
وسيكون لهذا المسار الدور الكبير في تعزيز وتطوير البنية الصناعية التي هي أساس نهضة الأمم وتقدمها إقتصاديا وإجتماعيا، وكذلك سيلعب دورا كبيرا في الحد من البطالة، من خلال الإنتقال إلى المسارات المهنية والتوسع فيها على حساب المسارات الأكاديمية والإنخراط في سوق العمل ومتطلباته، وتلبية حاجة السوق العربي والإقليمي لمشاريع إعادة الإعمار والتنمية الإقتصادية والإجتماعية.
نشد على يد جامعتنا جامعة البلقاء جامعة الوطن والتي تحمل هم الوطن، وتبادر من خلال العمل الدؤوب ومواكبة متطلبات العصر والتخطيط لمواجهة متطلبات المستقبل الذي لا ينتظر احدا، لأن نظام المسارات المهنية سيشكل تغييرا حقيقيا لوجه النظام التعليمي في بلدنا،والذي يركز على التعليم الأكاديمي ومساراته المثقلة بالإحباطات وسوء التخطيط، وتنعدم فيها الموائمة بين الخريجين كماً ونوعاً والمتطلبات الحقيقية لسوق العمل، مشروع المسارات المهنية مقترح عملي تطبيقي، مرتبط بواقع سوق العمل ومتطلباته، لأن غالبية روافده ستكون ممن إنخرطوا بسوق العمل ولديهم الرغبة في التطور الوظيفي لخدمة عملهم ومؤسساتهم وكذلك خدمة طموحهم إجتماعيا وإقتصاديا وهذا كله ينعكس على قطاعي الإنتاج والخدمات، ويلبي طموح الأفراد للإلتحاق بالمسارات المهنية والتي تحقق متطلباتهم وحاجاتهم في التطور والحصول على الشهادة المهنية التي تعطيهم أيضاً المكانة الإجتماعية وتحقق لهم التطور الذاتي المهني والتقني والتطبيقي بالحصول على درجات مهنية موازية للدرجات الأكاديمية، بما يرفع مستواهم الاقتصادي والإجتماعي ويبعدهم عن شبح البطالة التي تنتظرهم من خلال المسارات الأكاديمية الحالية، والتي أصبحت عبئا ثقيلا على دولتنا ومعيقا كبيرا لرسم الخطط والإستراتيجيات للمستقبل، فالمسارات المهنية تؤمن التشغيل سواء في القطاع العام أو الخاص، وكذلك التشغيل الذاتي.
خطوة مباركة في جهود إصلاح التعليم وربطه بسوق العمل، وننتظر تطبيق المسارات المهنية في نظامنا التعليمي العام القادم، لما فيه خير بلدنا وتقدمه، حمى الله الأردن.