في عام 1967 سقطت الجولان وسقطت سيناء وتوقف فيهما القتال بموجب هدنة وبقيت جبهتنا في الضفة الغربية مشتعلة وازداد الضغط بشكل هائل على قواتنا الاردنية بعدما سحب العدو قواته من مناطق الهدنة الشمالية والجنوبية ليزج بكل طاقته وقوته النارية بمواجهة النشامى وبقي جيشنا يقاتل بشراسة لم يشهد لها التاريخ مثيلا سوى في اساطير الشعوب لتتجسد كحقيقة على الارض ورغم ان جيشنا فقد الغطاء الجوي ورغم التفوق النوعي الجوي والعددي الهائل للعدو ورغم صدور القرار من القيادة المصرية للجيوش العربية بالانسحاب العشوائي لتقليل الخسائر نتيجة القصف الجوي إلا أن رجال الأردن رفضوا الانسحاب وأصدروا قرارا بالاستشهاد ولقد كانت معركة المسجد الأقصى تحديدا مرعبة بكل معنى الكلمة تعجب العدو فيها من شراسة قواتنا وهذه التضحيات كانت السبب الرئيسي لفرض تفاهمات الوضع القائم في القدس من حيث تبعية المسجد الاقصى ادارة وولاية للأردن ووضعها تحت وصاية الهاشميين الى اليوم ..
سعيد طرجم كان يقود آلية عسكرية سائقا ومرافقا للملازم حمدان البلوي الذي لاحظ أن سعيد بدأت مركبته بتخفيف سرعتها والانحراف يمينا ويسارا فسأله ( خايف يا سعيد ؟؟؟ ) فأجابه ( لا والله يا سيدي لكن عيني تصاوبت ) فنظر الملازم حمدان الى سعيد فوجده قد فقد عينه اليسرى نتيجة القصف على المركبة فقال له ( غمض عينك وادعس يا طرجم ) أما النتيجة لهذا المشهد الحقيقي الذي يخالط الخيال أنه تم إحصاء أكثر من ستين شظية واصابة في جسد الملازم حمدان البلوي كنموذج لجميع من قاتل فاستشهد او اصيب في تلك الملحمة اما روايات البطولة والشرف الأردني لا تعد ولا تحصى وفي أقل من عام كانت الملحمة تتكرر في معركة الكرامة التي فقد فيها جيش العدو عذريته العسكرية ..
البارحة رفرف العلم الأردني مجددا على أرض فلسطين وحضر الشعار والقايش في المشهد المهيب وزفت الفلسطينيات بالدمع والورد والحناء شهيدهم قبل أن يكون شهيدنا أما قصة البطولة لهذا الشهيد فلربما هي رواية لا يعلم تفاصيلها إلا الله لكنها بالتأكيد مشرفة لأنها كانت دائما وأبدا وستبقى من قُبُل لا من دبر لا يفهم كنهها ولا يترجم حروفها إلا أهل المروءة والشرف والفخر لا أنصاف وأشباه الرجال أما العدو فلا تذكر التفاصيل وذكريات التاريخ أنه احترم إلا لغة البأس والقوة لذلك اضطر صاغرا رغم انفه ان يعلق على جدران الحارات والازقة في القدس عبارة شهيرة لا تزال حاضرة موجودة يمكن لكل من يقبل بأن يزور زهرة المدائن بختم صهيوني على جواز سفره وتحت حمايته مفادها ( هنا سقط سبعة ابطال من الجيش الاردني .. ) ليدرك إن اسعفه الفهم أن دخوله للمسجد الاقصى اليوم إنما كان بفضل هؤلاء الشهداء .. وادعس يا طرجم ..