عام استثنائي للجامعات الاردنية
د. سعد الزعبي
26-08-2020 06:44 PM
تلعب الجامعات الاهلية الخاصة الاردنية دورا رديفا للجامعات الحكومية كل عام في استقطاب الطلبة الأردنيين خريجي الثانوية العامة الاردنية او غيرها وتسليحهم بالعلم والمعرفة اللازمين لهم و للمجتمع للتقدم و ومواكبة التطور العلمي والتكنولوجي العالمي، و لعل المراقب جيدا لما يحدث في العالم وما فرضته أزمة كورونا (كوفيد ١٩) يدرك الحمل والمسؤولية الجديدة الملقاة على عاتق الجامعات الاهلية الخاصة في الاردن و الدول التي يلجا العديد من طلبتها للتوجه للدراسة في الخارج بعد أن لا تستطيع جامعات بلادهم استيعاب اعدادهم أو بحثا عن جامعات خارجية اما اقل تكلفة او دراسة ما لم يستطيعوا دراسة في جامعاتهم الداخلية لأمور تتعلق بالمعدل العام و اعداد المقبولين في كل تخصص او جامعة او كلية إلى اخر ما يتبع هذا الأمر من أمور فنية.
كان لجائحة كورونا (كوفيد ١٩) تحدي وأثر مباشر على مسيرة التعليم في الجامعات الأردنية الحكومية و ايضا الأهلية الخاصة، فتجربة التعليم عن بعد بشكلها الواسع كانت تجربة جديدة لكافة الجامعات على حد سواء من حيث الزخم وعنصر المفاجأة الذي أجبر أعضاء الهيئات التدريسية والطلبة ايضا على الانتقال الى نمط جديد وهو التعليم عن بعد وما تطلبه ذلك من المعرفة اللازمة باستخدام وسائل تكنولوجيا المعلومات ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها الكثير من التحديات التي رافقت عملية التحول في نمط التدريس.
للامانة ورغم كل التحديات و الرهانات لا نستطيع الا أن نقول أن التجربة قد نجحت رغم الامكانيات و ورغم قلة الوقت المتاح للتكيف مع هذا النمط الجديد من التدريس بشكله الواسع, و المنصف أيضا القول بأن عملية التعليم عن بعد بحاجة للمزيد من الجهود و النضج في التعاطي معها لضمان وصول المادة العلمية التعليمية و تلافي اية محددات او تحديات قد ظهرت خلال الفصل الماضي.
الغريب و المفرح بنفس الوقت هو نجاح الجامعات الخاصة الاهلية في هذا الجانب، حيث قدمت هذه الجامعات كل ما تستطيع لإنجاح العملية و تقديم التعليم بالشكل الذي يحقق الغاية التي من أجلها التحق الطلبة بهذه الجامعات باحثين عن المعرفة والعلم.
هذا النجاح اللافت للجامعات الاهلية الخاصة كان في ميزان هذه الجامعات الاجتماعي، حيث النظرة المجتمعية السائدة بأن هنالك تباين في نوعية خريجي الجامعات الحكومية والاهلية الخاصة و في اغلب الاوقات تميل كفة الميزان لصالح الجامعات الحكومية (حسب نظرة المجتمع المتوارثة و التي بدأت تتغير تدريجيا) ، مع انه المقارنة المطلقة بينهم فيها ظلم كبير من حيث مقارنة الإمكانيات و ايضا ظلم حيث ان بعض الجامعات الاهلية الخاصة قد حققت ما عجزت عن تحقيقه بعض الجامعات الحكومية في مواطن عدة و لا يلام في هذا الصدد أي من الجامعات الحكومية فلكل جامعة ظروفها و تحدياتها.
الواقع يقول بأن هنالك تباين بين الجامعات الرسمية و حتى الاهلية الخاصة ايضا فيما بينها فلا نستطيع أن نعمم بالقول بأن هذه الرسمية افضل او اقل جودة من جامعة أخرى رسمية او اهلية خاصة و العكس صحيح ايضا، لكن يبقى المميز و اللافت خلال ازمة كورونا (كوفيد ١٩) و لحد الان بان الجميع قد نجح في هذه التجربة ولو بشكل متفاوت و هذا يسجل في رصيد جميع العاملين من إداريين و هيئات تدريسية و طلبة وحتى أهالي طلبة صبروا رغم الضغط النفسي والتخوف من عدم حصول ابنائهم الطلبة على مادة تعليمية قد دفعوا لحصول ابنائهم عليها مسبقا.
ويعزى هذا النجاح في هذه المرحلة (ازمة جائحة كورونا) ايضا الى البنية التحتية للجامعات التي وفرت ارضية قادرة على تحمل ضغط اسلوب عملية التعليم الجديدة و الى البنية التحتية لشبكات الاتصالات التي بنيت خلال سنوات الماضية، و يسجل للجامعات الخاصة الاهلية هذا النجاح و محاولاتها المستمرة لتحمل مسؤولياتها الاجتماعية والأخلاقية أمام طلبتها و ايضا امام المجتمع.
إن من أهم الأسباب التي ساعدت وبشكل لافت هذه الجامعات الاهلية الخاصة و تميز بعض الجامعات الرسمية في عملية عبور و تخطي هذه الازمة و عبورها لاي أزمات مشابهة لا سمح الله في حال تكررت ظروف الجائحة من موجات ثانية و ثانية يتوقعها العالم و وتتضارب الأنباء حولها ما بين منكر و مصدق (و هذا ليس موضوع النقاش في هذه المقالة) هو وجود قيادات ادارية اكاديمية علمية جاءت في الوقت المناسب لتكون عونا لمجالس الامناء و هيئات المديرين بحكم خبرتهم و ادارتهم الحكيمة لتوجيه دفة هذه الجامعات و الاستثمار ما أمكن في موضوع الثقة ما بين الأهالي و ابناءهم بالطبع والجامعة التي اختاروا ليعلموا أبناءهم فيها وصرفوا مدخراتهم من أجل ذلك. كان الجميع رابحا من وراء ذلك.
تتزامن كتابة هذه المقالة مع اعلان نتائج الثانوية العامة الاردنية وفتح باب القبولات للجامعات الاردنية. في الواقع، هذا العام يشكل عاما استثنائيا للجامعات الاهلية والخاصة الاردنية اضافة للجامعات الحكومية وإن كانت بشكل اقل، حيث ان الاجراءات التي تتخذها الدول حاليا لكبح انتشار مرض كورونا (كوفيد ١٩) ستحول دون توجه عدد كبير من الطلبة الأردنيين من خريجي الثانوية العامة وغيرها للدراسة في الخارج و بالتالي غالبية هذه الأعداد ستتجه للبحث عن بديل نحو الجامعات الخاصة الاهلية الأردنية في حال لم تستطع الجامعات الحكومية على استيعابها و هذا الذي سوف يحدث في الغالب. نعم نعلم جيدا ان اعدادا كبيرة من أبنائنا الطلبة خريج الثانوية العامة يتوجهون كل عام للدراسة في الخارج اما بسبب البحث عن تعليم يتناسب مع معدلاتهم في الثانوية العامة أو رغبة في دراسة تخصصات معينة أو رغبة التخرج من عدد معين الجامعات تتناسب مع ميولهم و قناعاتهم الشخصية هم واهاليهم. هذه الإجراءات المتخذة عالميا بسبب جائحة كوفيد ١٩ ستجبر عدد كبير من هؤلاء الطلبة للتفكير للدراسة داخليا اما من خلال الجامعات الحكومية او الخاصة الاهليه و هذا بالتالي يضع الجامعات جميعها و الخاصة الأهلية بشكل محدد تحت ضغط جديد ينبغي التعامل معه بحكمة وتروي اولا و البدء للتحسب و الاستعداد لأي توجه لان يعود التعليم عن بعد خلال الفصل القادم لا سمح الله (رغم ان المستعرض لموضوع خارطة انتشار المرض مجددا من خلال الأرقام و الدلالات الإحصائية و بعض المؤشرات الدلالية يرى انه للاسف كل شي وارد فالفيروس (كوفيد ١٩) قد بدأ من جديد في الانتشار عالميا في العديد من الدول و المناطق بعد تسجيل صفر إصابات لأسابيع طويلة في العديد من بلدان العالم و هذه المناطق).
المطلوب من الجامعات عموما والخاصة الأهلية منها على وجه التحديد في هذا العام الجامعي الاستثنائي بان تستطيع استيعاب هذه الأعداد الجديدة و ان يعملوا على إنجاح هذه التجربة املا منهم في استقطاب نفس الأعداد مستقبلا وبالتالي بدلا من أن تنفق اموال الاردنيين لتعليم أبنائهم في الخارج تدفع هذه الأموال للجامعات الاردنية في الداخل ولا يخفى على أحد ما هي الفوائد الاقتصادية العائدة على الوطن و المجتمع من ذلك. لا يكتمل نجاح تجربة الجامعات في موضوع استقطاب الطلبة و الأعداد التي كانت كل عام تغادر وطننا العزيز للدراسة في الخارج الا ان تخلق البديل المطلوب المنشود الذي يعوض ما كان يصبو اليه طالبين الدراسة و العلم في الخارج. ننتظر بفارغ الصبر بعد فصل دراسي او اكتمال العام الدراسي الجامعي القادم بان نسمع تغذية راجعة إيجابية من جميع الطلبة و اهاليهم و بداية خلق تصور بامكانية خلق بديل للجامعات التي كان يتوجه اليها الاهالي بارسال ابنائهم للدراسة في الخارج و خلق قناعة عند الطلبة والأهالي بان البديل موجود في جامعاتنا الحكومية و الاهلية الخاصة.
اخيرا، في ظل هذه الظروف الاستثنائية و لضمان الحفاظ على مستوى التعليم في اعلى مستوياته و بما يتناسب مع الظروف العالمية التي يمر فيها قطاع التعليم بسبب جائحة كوفيد ١٩، يتطلب من واضعي السياسات تفعيل و تطوير أساليب التقويم والتدريس للعملية التعليمية و حتى التربوية التي تشمل المدارس ايضا وتحديث ما أمكن من وسائل القياس و التغذية الراجعة. البقاء للأفضل و الأقدر على التكيف و يجب على إدارات الجامعات التعامل مع الواقع بكل تقبل و البحث عن حلول للبقاء و الاستمرار.
عام ال 2020 بدا عاما استثنائيا للجامعات الاهلية والخاصة الاردنية و كلنا أمل وثقة بأن تكون هذه الاستثنائية بالاتجاه الايجابي و ان تدار الازمة لان تدفع العجلة نحو مزيد من التقدم و التطور في العملية التعليمية و تغليب مصلحة الطلبة و الوطن على اية مصالح اخرى.
الاردن جميل و نتجه نحو المستقبل بتفاؤل فالبقاء للأفضل و للقادر على التكيف و تحويل التحديات لفرص و نحن جميعا كذلك.
حفظ الله الاردن ملكا و شعبا و ارضا.